''العمود، التيو، السمطة، العصا، المشحاط، المسطرة...''، الوسائل البيداغوجية الأكثر تداولا بالمدراس الابتدائية، و لدى بعض أساتذة الإعدادي، و لغتها هي الأكثر تداولا، و التفنن فيها وفي تقنياتها، هي وسائط التواصل و التفاعل بين معظم الأساتذة و المتعلمين، حتى أن فئة كبيرة من مهنيي التربية بات مقتنعا بالدور الأساسي للعنف اللفظي و الجسدي في مزاولة مهام التربية، و لا تستقيم المهنة دون اعتماد هذه الوسائل.
العنف كوسيلة للتربية، لا يقتصر فقط على مهنيي التربية والتعليم، بل يكاد يعم كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، إذ يكمن الخلل في القيم المتوارثة، وطرق نقلها بين الأجيال، وتكريس مفهوم القيم الموحدة، التي لا تقبل الاختلاف، ونسخ صور طبق الأصل من مواطن لا يقبل الاختلاف وينبذ التفكير و الإبداع.
التلميذ المغربي، وخلال كل مراحل التنشئة الاجتماعية، لا يجد إلا لغة العنف و ''الضرب و التجريح''، بدء من الأسرة ومرورا بالمدرسة والشارع، فكيف ننتظر منه ألا يعيد إنتاج نفس التربية ونفس السلوك الذي تربى عليه؟، فالتربية رغم أنها ليست قوالب جاهزة تطبق على الإنسان ككائن عاقل، لكنها في حالة المجتمع المغربي تكاد تكون كذلك، لكون معظم المربين متفقين على نفس النهج، في إنتاج الأجيال وتوريثها نفس الأفكار و الآراء و ''المناهج''.
العنف الممارس في الشارع العام اليوم، من قبل شباب واسع من الجيل و الأجيال الحالية لا يتحمل فيه المسؤولية الكاملة، بل إن كل المتدخلين في التربية لهم نصيب في ذلك، و تبادل العنف بمختلف أشكاله في كل أماكن تواجد الناس ''الإدارات، الشارع، البيت، .....،'' هو أبسط تجليات التربية المتوارثة، وأخطر تجلياته التطرف في الأفكار و السلوك، الذي ينتج إرهابيين و متفجرين، و لا يمكن الخروج من هذه الوضعية، إلا بتوسيع هامش الحريات، و إعادة الاعتبار للمدرسة كمنتج للقيم المجتمعية المبنية على الحوار والتسامح وقبول الأخر.