بقلم الأستاذ حميد طولست
تتطلع كل المجتمعات والشعوب إلى مجالس جماعية
مسؤولة بمنتخبين أهل للتسيير ، يملكون الحنكة والكفاءة ومميزات الريادة وصفات القيادة،
قادرين على خدمة منتخبيهم وتمثيل قيمهم التاريخية وأرصدتهم الحضارية في كل تصرفاتهم،
وترجمتها إلى ممارسات وقرارات وقوانين وتشريعات تحافظ على تلك القيم والأرصدة وتغنيها
وتوسع من دائرة إشعاعها. وقد سار المغرب ملكا وشعبا على نفس النهج في تطلعهما إلى القيادات
الحكيمة، والزعامات الرزينة، والكبراء المتنورين، الذين يصونون هيبة المجالس، ويحافظون
على مكانتها وتلميع صورتها ويكرسونها في أذهان المواطنين بالداخل، ويسوقونها بين الدول في الخارج، على اعتبار أنها مرآة عاكسة للشعب، الذي تُنسب إليه، دولة وشعبا
وحضارات، وتستمَدُّ منهم هيبتها واحترامها، وربما حتى جبروتها الذي تفرضه الكثير من
البلدان والأنظمة من خلال مسيروها وصنّاع القرارات بها.
لم يحد الشعب المغربي هو الآخر عن هذا المنحى
الذي سارت عليه الأمم والشعوب، وتطلع إلى مجالس جماعية تصل إلى مقاليد تسيير الشأن
المحلي عن طريق الديمقراطيّة بمعناها الأوسع والحق، الذي تتجلى فيه ثقافة وأخلاق ومفاهيم
تداول السلطة سلميا وبصورة دورية، وقد تم له ذلك بنسبة كبيرة، حيث تمكن الكثير من الأشخاص
المغمورين من تقلد مقالد الشأن المحلي، حيت وصل إلى منصب "مستشار جماعي
"عدد من الذين لم يولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب-كما يقال- ولا عهد لعائلاتهم
بالمناصب المرموقة ، مستشارين من عائلات بسيطة ومتواضعة وفقيرة أحيانا، عاش بعضهم في
خصاص تام، وذاق لسعات الفقر وضائقة الحرمان ، جلهم من أبناء الشعب قضوا جزء من حياتهم
في البوادي والمداشر البعيدة، وفي الأحياء الشعبية الهامشية الفقيرة، ودرسوا بعضهم
في المدارس العمومية، وكافحوا من أجل شهادات جامعية تؤمن لهم وظائف محترمة…
شيء جميل ومشرف وليس فيه ما يخجل، بل هو
المسار الصحيح الذي يُفتخر ويُعتز به، كنظام يطبق الديمقراطية الحقة لكسر قاعدة هيمنت
العائلات النافذة، التي عُرفت بتصدر لوائح مجمل المناصب الكبرى والمرموقة في البلاد،
لقد انقلبت الأمور وتغيرت، وأصبح -منذ تسعينات القرن الماضي- متاحا أكثر لغير المنحدرين
من العائلات الميسورة والأوساط الثرية، من "أولاد الشعب" كما يسميهم البعض، أن يدخلوا عوالم الانتخابات والشهرة
..
إن واقع التشكيلة الجديدة من المستشارين،
بتركيبتها وأيديولوجيتها وأسلوبها ومبادئها ومنهجها وفكرها وطريقة أدائها التي لم ترق
إلى مستوى تحقيق مطالب الإنسان المغربي والاستجابة لانتظاراته ، والتي لم تستطع أن
تقدم الحلول المناسبة لمشكلاته، وتحقق له الرفاه والرخاء في حياته، وتأمن له المستقبل
وتغير واقعه المعاش إلى ما هو أفضل، دفع بالكثير من المتتبعين للشأن السياسي، لطرح
أسئلة كثيرة حول أهلية هؤلاء الوزراء الجدد، وهل هم حقا أهل للحكم والتسيير ويملكِون
صفات القادة والقيادة، وهل لديهم حَميِّةٌ وغيرةٌ على هذا الوطن ومواطنيه ؟
ما يدفع المواطن للتساؤل الملح : هل يحتل
الشأن العام ومصير المواطن ومستقبله خدمته والعمل على وتلبية حاجاته الأساسية ورغباته
وآماله وطموحاته، مركز أنشطتهم واهتمامهم، أم أن الشأن الخاص والميول العاطفية والبطنية
هو شغلهم الشاغل؟
وأختم مقالي بالتساؤل التالي : هل هؤلاء
المستشارين الجدد، هم في نفس مستوى سابقيهم المنحدرين من العائلات الميسورة والأوساط
الثرية ؟.. لاشك أن المشكلة ليست في الديمقراطية التي جاءت بهم ، ولا في المجتمع الذي
جاؤوا منه، بل المعضلة في الأشخاص الذين يتحملون مسؤوليات لا يقدرون خطورتها ؟؟