بقلم الأستاذ حميد طولست
اطلعت على الانتقادات التي وجهت لي عبر السيل الغزير من الرسائل الالكترونية ، والذي كان بعضه مؤيدا لما جاء في مقالتي المعنونتين بـ" من يقف وراء الإستهتار بالعقل المغربي ؟؟" و "من يقف ضد الإستهتار بالعقل المغربي ؟؟ " والتي انتقدت فيها ربط ظاهرتي الزلازل وانحسار الأمطار في بلادنا بإرتكاب المعاصي ، والذي اعتبرته أساطير ماضوية وتفكير بالي مازال يؤمن به ، مع الأسف، الكثير من رجال الدين في مجتمعنا ونخبه السياسية والثقافية ، على اعتبار أنه تراث أمة وعقيدتها غير القابلة للشك أو التشكيك ، بينما كان بعضه الآخر شديد اللهجة التي وصلت في بعضها إلى حد التجريح ، وكأني نطقت كفرا أو تزندقت ، حين تمسكت بالمنطق المفند لمزاعم من يدعي مثل تلك الخزعبلات ، ويتحدى من يقول بها ، بأن يأتي بأدلة علمية دامغة على صحة إدعائه الذي لا يستند على دليل علمي ، يمكن مناقشته والتحقق منه عن طريق التجريب ، والذي يبقى مجرد أساطير وخرافات ومعتقدات بالية ، معششة ، ليس في أذهان وعقول العامة وبسطاء الناس فحسب ، بل تعداها إلى عقول العديد من مثقفينا والكثير من فقهائنا وشخصياتنا العامة، الذين يؤمنون إيمانا قاطعا بالمقولة الأزلية : إنا وجدنا اباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون" والتي لا تتماشى مع العصر ولا تستشرف آفاقه المستقبلية ، والتي تعتبره نموذجا صارخا للتخلف العقلي والتآمر على حاضر ومستقبل الشعب المغربي .
لقد ترددت كثيرا في الرد عليها ، ليس ترفعا وتعاليا على أصحابها ، وإنما لكي أتحاشى المماحكات الجدالية قدر الإمكان ، لكني رأيت في نهاية المطاف أن الرد أفضل من التجاهل لأن المناقشة الخلافية قد تؤدي إلى إيضاح بعض الإشكاليات المطروحة ، وتحد من الجهل الذي يعمل البعض متمحمسين جدا على نشره ، كما قال الكاتب الامريكي "فرانك كلارك" خلافا للذين يقولون أن مواجهة النقد بالتفسير والتبيين تُزهق روح النص وتُحجِّم من اتساع أفقه .
صحيح أن للبيت ربٌ يحميه، وأن الأمور تبقى في الأول وفي الأخير، رهينة بمشيئة وإرادة من بيده ملكوت كل شيء ، العارف بما كان ويكون ، المحيط بأحوال الذرَّة والمجرَّة وكل أبعاد الكون الكبيرة ، والذي أخضعها سبحانه وتعالى لما وضع لها من نواميس وقواعد وقوانين كونية دقيقة ، تحكم نظامها ، وتجعل كل حركاتها وسكناتها تتم وفق دستور مكتوب وقانون صارم ، لا يلحقه خلل ، ولا يشينه قصور، ولا يخالف النظريات العلمية ،ولا يناقض الحقائق المنطقية ، ويتوصل إليها بإعمال العقل - أعظم نعمة ميزنا بها الله عن غيرنا من الكائنات- في استنباط أحوالها المبنية على معطيات منطقية وحسابات ومبادئ علمية ، كما هو حال انحسار المطر عن المغرب وزلزلة أرضه - الذي ليس هو نتاج لارتكاب الموبقات ، كما في كلام العرافات – الذي يمكن البرهنة على أن الأول هو نتيجة للتغيرات المناخية في العالم كله من خلال دراسة التوقعات الجوية العلمية المعتمدة على الصور والفيديوهات المأخوذة للأرض من الفضاء ، والتي تبين أن انحسار المطر أصبح ظاهرة ملحوظة عالميا بسبب ازدياد تركيز ثاني اكسيد الكربون في الجو ، الذي يخل بالتوازن بين تركيز ثاني اكسيد الكربون في الارض والجو ، فيتسبب في الانحباس الحراري ، الذي ينعكس سلبا على كل التوازنات الطبيعية والكائنات الحية ، فيجعل المطر ينحبس في بعض المناطق ، ويتكثف في أخرى إلى حد كوارث لامطار الحمضية الخطيرة ، أما الثاني ، الزلزال فهو ناتج عن هزات سريعة ومتقطعة ناجمة عن حركات الصهارة في باطن الأرض ، بفعل تداخلات وتصادمات تقارب الصفيحتين الإفريقية والأورو آسيوية ، والتي تعتبر جبال الأطلس الكبير والمتوسط والريف من أنشط المناطق الزلزالية في شمال غرب إفريقيا .
فهل يستحق هذا القول العلمي الذي لا يناقض مشيئة الله ولا يتدخل في إراجته ، كما يدعي أصحاب كلام الشوافات المطلق على عواهنه ، والقائل بأن : "إنحسار المطر والزلازل في المغرب ناتج عن عدم رضى الله عن المغاربة" ، كل ذلك النقد والتجريح ؟؟؟..