بقلم:السيد قطب العربي
لم تعد معتقلات غوانتانامو وأبو غريب تحتل موضع الصدارة في تعذيب النزلاء بعد أن أقصاها سجن طرة شديد الحراسة (العقرب) عن عرش التعذيب الذي تفنن في طرائقه، صعقا بالكهرباء، أو ضربا بآلات حادة، أو حبسا انفراديا لمدد طويلة، أو إهمالا طبيا وحرمانا من الرعاية الصحية والأدوية وترك السجناء يموتون ببطء، وهذا ما تشهد به أرواح الشيخ عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، وفريد إسماعيل وطارق الغندور ومحمد الفلاحجي والشيخ نبيل المغربي، ومرجان سالم وزكي أبو المجد، وابو بكر القاضي، وعماد حسن، وهو ما دفع 16 منظمة حقوقية مصرية لوصف هذا السجن بالمقبرة الجماعية.
وبعد كل تلك الحالات من الوفيات نتيجة التعذيب والإهمال أصبح السؤال هو كيف نتحرك لإنقاذ آلاف أخرى من السجناء في العقرب وغيره من السجون يئنون تحت التعذيب، وينتظرون مصيرا مماثلا لمن سبقهم من الشهداء؟ وهل يصح أن نستمر في التلهي بخلافاتنا بينما السجناء يموتون أمام أعيننا؟ وكم ألفا من الجثث نحتاج حتى تتوحد الجهود لوقف سيل الدماء؟( تجاوز عدد قتلى السجون وأماكن الاحتجاز الأخرى 250 قتيلا منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013 وفقا للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في لندن).
في تقديري إن قضية سجناء العقرب وغيره من السجون كفيلة بتوحيد القوى الثورية الحقيقية، خاصة أن هذا السجن يضم رموز تلك القوى جنبا إلى جنب، فهذا الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين وذاك أحمد ماهر رئيس حركة 6 إبريل ، وهذا عصام سلطان وذاك علاء عبد الفتاح، وهذا صفوت عبد الغني وذاك أحمد سعيد، وهذا محمد البلتاجي وذاك محمد عادل، وهذا هاني صلاح الدين وذاك يوسف شعبان، وهذا مجدي احمد حسين وذاك إسماعيل الإسكندراني، وهذا هشام جعفر وذاك محمود شوكان، وهذه الحاجة سامية شنن وتلك ماهينور المصري، وهذه كريمة الصيرفي وتلك آية حجازي ، هؤلاء الذين جمعتهم ثورة يناير وفرقتهم الثورة المضادة توحدهم الآن أقبية السجون، وسياط الجلادين، وآهات الزوجات والأمهات المعذبات انتظارا لزيارة لا تتم في الغالب بعد طول سهر أمام بوابات السجون في شتاء القاهرة القارس.
كم كانت معبرة ومؤثرة تلك الصورة التي جمعت علاء عبد الفتاح بالبلتاجي وعصام سلطان وصبحي صالح وهم يتناولون الغذاء من طبق واحد داخل قفص المحكمة، كان من المفترض أن تكون تلك الصورة تدشينا لمرحلة عمل مشترك بين شركاء الثوة خارج السجون لإنقاذ أصحابهم داخلها، صحيح أن هناك تحركات تسير في هذا الاتجاه، حيث نظمت أسر المعتقلين وقفات مشتركة على سلالم نقابة الصحفيين، وبدأت المنظمات الحقوقية ذات التوجه الليبرالي الاهتمام بما يحدث في السجون، وأصدرت عددا من التقارير والبيانات حتى وإن ركزت على شخصيات دون أخرى، لكن هذه الجهود لم تعد كافية لإنقاذ الآلاف الذين يتعرضون للموت البطيء داخل السجون.
ولعل حالة الدكتور أحمد سعيد -الجراح المغترب في ألمانيا نزيل سجن العقرب- التي اهتمت بها 16 منظمة حقوقية ليبرالية ويسارية نتيجة تعرضه للتعذيب والحبس الانفرادي تقنع تلك المنظمات بأن ما يحدث مع غيره من السجناء هو أمر مشابه تماما له، وأن شهادات أسر أولئك السجناء عما يتعرضون له من قتل بطيء ليست مبالغات، ولكنها دون الواقع بكثير، وحسنا فعلت تلك المنظمات بدعوتها لتشكيل لجنة مستقلة من الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني لفحص الأوضاع في السجون وفضح ممارسات التعذيب والتعنيف الجماعي فيها، لاسيما سجن العقرب سيئ السمعة، لكن على تلك المنظمات أن لا تكتفي بإصدار بيان تضمن ذاك المطلب بل عليها أن تنظم تحركات جدية دولية عبر الآليات الحقوقية المعروفة حتى يتم تشكيل تلك اللجنة فعلا.
أمر مؤلم أن يكون طموح أسر السجناء وأقاربهم الآن هو مجرد تحسين ظروف محبسهم، وتحقيق الضمانات القانونية لهم، وإذا كان هذا الأمر مقبولا من تلك الأسر التي تحلم بمجرد الزيارة ورؤية ذويهم لبضع دقائق دون الانتظار والسهر طويلا، فإن على المنظمات الحقوقية والتي تمثل امتدادات لقوى سياسية متنوعة، وعلى كل القوى الثورية الحقيقية أن تضع خلافاتها جانبا وتتحد على هدف مشترك لإنقاذ هؤلاء السجناء عبر جهود سياسية وحقوقية وقانونية وإعلامية محلية وإقليمية ودولية.
اقترح على تلك القوى تحديدا تشكيل وفود حقوقية مشتركة من المراكز والمنظمات المصرية وغير المصرية ( ذات الخلفيات اليسارية والليبرالية والإسلامية) لحمل القضية في المحافل الدولية، وتشكيل وفود سياسية مشتركة تجوب العالم أيضا بهذه القضية حشدا للدعم الدولي لها، وأن تنظم القنوات والوسائل الإعلامية المحسوبة على ثورة يناير في الداخل والخارج حملات مشتركة، وأن يتم تنظيم حملات إعلامية دولية أيضا للغرض ذاته، وها هي الفرصة مواتية مع بدء إعلان السجناء إضرابا عن الطعام بسبب التعذيب الذي يتعرضون له وتتعرض له أسرهم خلال الزيارة.
إن السكوت على حبس الآلاف من الإخوان وعموم الإسلاميين أغرى السلطة بحبس نشطاء وقادة يساريين وليبراليين، وإن الصمت على تعذيب السجناء الإسلاميين دفع السلطة أيضا لممارسة التعذيب على غيرهم من السجناء الليبراليين واليساريين، كما أن الصمت على قتل السجناء الإسلاميين سيدفع السلطة لقتل غيرهم من نشطاء الثورة، وقديما قالت العرب "أكلت يوم أكل الثور الأسود".