بقلم الأستاذ حميد طاولست
لست نواحاً ولا بكاء ، لكن واقع الحال يدفع بي ، كما الكثيرين مثلي، للجلوس والتباكي بحضرة الظلم و"الحكرة"، والاستسلام للكثير من التساؤلات السخيفة حول ما نعيشه من مآسي متنوعة ، وما الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه ؟ ومن هو السبب في تعمده ؟ ومن المقصر الأول يا تُرى؟ وهل ساسة البلد بلا مهنية؟ أو يشكون غياب الحس الوطني، ويعانون من أزمة ضمير؟ أم أن السبب في ذلك هو ضعف الأحزاب ، وإصرارها على تحويل قادتهم إلى أبطال ، على حساب أحوال الشعب ومصائرهم ؟ ؛ قد يكون اجتماع كل تلك الأسباب وغيرها من العوامل ، على طاولة التسيير والإدارة المضطربة ، هو ما قادنا إلى ما نحن عليه ، وإني هنا لا أقصد ، بهذه التساؤلات السخيفة ، أحدا بذاته ، أو جهة بعينها ، بقدر ما أريد أن أشخص سبب ما نحن فيه ، وذلك لأنه ليس كل ما صدر ويصدر من قرارات ومشاريع سياسية عن الحكومات بمختلف مرجعياتها ، والأحزاب بكل توجهاتها وأيديولجياتها ، هو صحيح بالضرورة ، لأن جلها ، إن لم نقل كلها وفي جميع الدنيا، معرضة إلى الخطأ واللامهنية ، وتسلل التطرف واللاحيادية إلى مقرراتها ، والوقوع تحت تأثير المغريات، والسقوط في حمئة المخالفات الدستورية ، خاصة في مثل هذا الوقت الحرج والظروف التي سادها الفساد ، حتى صار ظاهرة مكشوفة ، يُتوقع انسحابه على بعض مسؤولي تلك الحكومات والأحزاب ، لكونهم ليسوا أنبياء ، ولأنهم غير معصومين عن الخطأ .
ولن أكون مغاليا إذا قلت ، أن من بين هؤلاء ، بعض المتهورين الذين رُكبوا على أسس من اللامبالاة والأنانية ، وسيطر عليهم الهم الفردي ، والطموح والغايات المشخصنة، وعدم الشعور بالمسؤولية الجماعية ، فأباحوا لأنفسهم احتكار الحقيقة للمباهاة بها على من كُلفوا بتسيير شؤونهم العامة ، ودعم حاجاتهم الشعبية ، وتحقيق رغباتهم في الأمن ومتطلبات العيش الكريم ، لكنهم استقووا عليهم بالسلطة التي تحصلوا عليها بفضل أصواتهم ، وحالوا بينهم وبين الحريات والحقوق ، وعرضوا هوياتهم لخطر التمييز والتفرقة بحسب الأصل أو الجنس أو اللغة أو الهوية ، على غير أسس موضوعية ، وفي ظل خطاب غير ناضج ، ومشحون بالطائفية والكراهية والاستعداء والتجييش المذهبي والسياسي الممنهج ، الذي يضرب جوهر المساواة ، أهم المبادئ الإنسانية والقاعدة الأساسية في قانون حقوق الإنسان التي تحرص الأمم والشعوب على التمسك بها ،.
وايقرها الدين الإسلام ، في معاملة الناس جميعاً على قدم المساواة في الحقوق والواجبات ، وفي القيمة الإنسانية ولا فضل لإنسان على آخر إلا بكفاءته ، التي يعتبرها هي المعيار الذي يقاس به مقدار تقدم مجتمع ما ، والتي تحقق أقصى درجات التقدم والرقي، فإذا ضاعت أو طفف ميزانها ، ضاع الاستقرار وضاعت الحياة .. فكلما تعمد مسؤولينا عدم الالتزام قانون المساواة بين الفئات ، وطغى مبدأ إن لم تكن معي فأنت ضدي وإن كنت ضدي فأنت لا تستحق العيش ومن حقي مصادرة أحلامك ، كلما اتسع الشرخ وأصبحت نقاط الاختلاف حقائق مسلماً بها ، وتكاثر ضحاياها وتعمق تخريب ونسيج المجتمع المغربي .