adsense

/www.alqalamlhor.com

2016/01/03 - 8:55 م



بقلم الأستاذ حميد طولست
في البلدان التي تحترم نفسها وتجل مواطنيها ويقدر المسؤولون عن شأنها رؤساء ووزراء ومدراء ، مسؤولياتهم ، ويقدمون مصالح مواطنيها على مصالحهم ، حبا واحتراما وتقديرا لهم وواجبا ، ويتعاملون معهم بالعدل والمساواة والتواضع واحتراما الرأي ، إيمانا منهم بأن الحقيقة ليست حكرا عليهم وقد تكون لدى غيرهم ، فلا ينفردون بالقرار ، ويستشيرون قبل أن يشيروا ، ويتراجعون عن الخطأ ، ويراجعون أنفسهم ويعتذرون ويصححون المسار، إذا تبين لهم أن أحد قراراتهم أو أفعالهم في هذا الموقف أو ذاك لم يكن موفقا ، وكثيرا ما يقدمون استقالتهم مباشرة بعد الوقوع في الخطأ الفادح -وحتى غير المتعمد منه - الذي يسيء ماديا ومعنويا ، لبلادهم ومواطنيهم ، ويفتحون تحقيقات جادة ، لا صورية ، لمحاسبة المقصرين على تقصيرهم ، ومعاقبة المذنبين ، مهما علا شأنهم أو قل .
كما فعل وزير التجارة الأمريكي جون برايسون الذي قدم استقالته من منصبه بعد تعرضه لنوبات تشنج تسببت في حادث تصادم بين عدد من السيارات بولاية كاليفورنيا . ووزير النقل الياباني "نارياكى ناكاياما " الذي قدم هو أيضا استقالته في شتنبر 2009 بسبب اضطرابات في وسائل النقل . ووزير النقل الأسترالي " كوتسانتونيس ساوث " الذي قدم استقالته فقط بسبب 30 مخالفة غرامات مالية متعلقة بالإشارة الحمراء . ووزير النقل الاسكتلندي الذي قدم هو الآخر استقالته لأنه لم يتمكن من إذابة الثلوج التي حاصرت مستعملي الطريق لعدة ساعات. ووزير النقل الياباني الذي قدم استقالته بسبب خطأ في تصريحاته . وأخطر استقالة أو إقالة هي التي حدثت مؤخرا في  كوريا الشمالية التي لم تكتفي مسؤوليها بإقالة وزيرها في  الدفاع ، بل أعدمته رميا بالرصاص بتهمه الخيانة ، بعد أن غلبه النوم أثناء عرض عسكري حضره الرئيس "كيم جونج اون" ، حسب ما تناقلته وسائلا الإعلام في كوريا الشمالية ..  
وليس وزراء البلدان الغربية فقط هم من يستقيلون بسبب أخطاء في مجال إشرافهم على وزاراتهم ، بل هناك وزراء من بلاد العربية وأخرى إفريقية قدم وزراؤها استقالتهم لأسباب مختلفة، كما فعل وزير النقل المصري محمد منصور -على عهد الرئيس حسني مبارك -عقب حادث تصادم قطارين جنوب القاهرة بسبب جاموس، أدى إلى وفاة 18 قتيلا . واستقالة وزير العدل المصري مؤخرا بسبب تصريحات مهينة للمصريين ومخلة بالدستور ،حول أبناء الفقراء وما إذا كان ابن عامل النظافة يمكن أن يصبح قاضيا .. واستقال وزير النقل البحري التنزاني بعد وفاة 78 شخص بسبب غرق باخرة في أرخبيل زنجبار في تنزانيا.
أما بالنسبة للمغرب ، حيث أن الحديث عن فكرة "الاستقالة" ليس بالشيء الجديد ولا قليلا على المغاربة الذين اعتادت آذانهم سماع أخبار وأحادث الاستقالات التي لم يكف رئيس الحكومة الإسلامية وعدد من وزرائها من قبيل: نبيل بنعبد الله، ومصطفى الرميد، ومصطفى الخلفي - عن التلميح بها مند توليه مقاليد الحكومة في  2011، وترديد قصص ما فكروا فيه منها ، والذي كان يمكن أن يقع ، أو الذي كاد أن يقع ، والذي تراجعوا عنه  ،  العبث الذي أفقد ذلك الفعل الجدي المسؤول ، ما له من رصيد من الجدية والمصداقية والواقعية لدى البلدان الديمقراطية ، كما ابرز ذلك القيادي الإسلامي الريسوني، في مقال له "الحديث عن استقالة الحكومة أو رئيسها ...، هو الأكثر بعدا عن الجدية والواقعية" ..
ورغم مطالبة المواطن المغاربي باستقالة بعض وزرائه ، بسبب ما وقع ويقع من فواجع مروعة ، أغرقت من أغرقت وأحرقت من أحرقت وقتلت من قتلت وأفجعت من أفجعت ، وأهانت من أهانت ، جراء قلة معرفة بعضهم بخطورة منصبه ، أو تهاون وتقصير البعض الآخر في تقدير مسؤولياته ،  فإن جل وزرائنا ، قد حباهم الله "ودنين الكيال" فلا يسمعون سخط الاحتجاج ، وزعيق التنديد ، ويطبقون المثل العربي الذي تصرفوا فيه ليصبح : "الكلاب تنبح والوزير لا يستقيل" بعد أن كان: "الكلاب تنبح والقافلة تسير" ، ويتقنون فن التنصل من المسؤولية ، بكل الطرق والوسائل ، ويجيدون تيجييش الأتباع للتصدي لكل من يتهم الوزير أو ينتقده أو يحمله مسؤولية ما يقع من الكوارث التي تلصق في الغالب الأعم بالقضاء والقدر ، ويتستر عليها بسهرات الشطيح والرديح وسفريات الاستجمام والسياحة ، كتلك التي قامت بها وزيرة الماء بعد فضيحة "جوج فرانك" ، والسفرية التي لجأ إليها وزير التشغيل الذي طار إلى باريس بعد فضيحة اهانته للمغاربة بنعتهم بالبهائم الذين يسرحهم سيادته ، الرحلة التي كشفتها الأقدار إثر فضيحة فرار سعادته من أحد فنادق باريس بثياب نومه فقط، ليقضي ساعات طوال في الشارع أمام الفرنسيين لأسباب قيل أنها "إنذار كاذب" والله أعلم ..
ليس المواطن المغربي من دعاة الاستقالة من أجل الاستقالة ، لأنه ليس بعدواني الطبع ولا ساديي المزاج ، ولا يكره الوزراء من أي توجه كانوا -كما يروج ذوي التوجه الإسلامي منهم لذلك- و لا يهتم بأحاديث وأحداث الاستقالات ، بقدر ما يهمه أن يكون الوزير الذي يقوم على شؤونه ، بشخصية قوية وضمير حي ، وحزم وعزم ثابتين على تفعيل الدستور ، واستقلالية وقدرة علية ، على احترام للقانون، وذربة مثالية في الامتثال لإرادة الشعب ، وكفاءة كبيرة على حل أزماته وفض إشكالاته ونزاعاته بعدالة وروح أخوية ، بعيدة عن التعصب والمزاجية الضيقة.
فإذا كان هذا ديدن وزرائنا ، وإيمانهم بأن الوزارة ، قيادة وريادة ومبادرة وأمانة وعهد على الوفاء والولاء للجماعة ، وقول كلمة الحق في موضعها بغض النظر عن أطراف المعادلة ، وأنها ليست مجالا لاستعراض الممارسات الشوفينية البائسة ، وترديد "قولوا العام زين ". فهنيئا مريئا لهم بها ، ومرحبا بهم في مناصبهم ، وليبقوا فيها خالدين ، ولتسقط الاستقالات وليمت المطالبين بها بغيضهم .