خلافا لما وقع في أوروبا، حيث المدن جاءت نتيجة النهضة التي عرفتها، و الثورة الصناعية التي شهدها الغرب، وواكبت هذا التقدم على جميع الأصعدة، فإن المدينة بالمغرب، تكونت بفعل الهجرة المستمرة و المتتالية من البادية، ولم يرافق هذه الهجرة أي تحول على المستوى الثقافي و الفكري، و لا حتى على مستوى البنيات التحتية، حيث أضحت المدن عبارة عن مجموعة بوادي متفرقة تسمى بالأحياء، باستثناء بعضها الذي ظهر مع الاستعمار الفرنسي، أو بعده على يد شريحة تشبعت بالثقافة الغربية واستفادت منها اقتصاديا.
المثال من العاصمة العلمية، دواوير متفرقة، الفرق الوحيد بينها وبين البوادي، هو كثرة البشر، وأزقة مبلطة، في ظل انتشار تام لمظاهر البداوة، الذي يكرسه الغياب التام لمرافق المنتجة و المحفزة على التطور الثقافي، كالمسارح و دور الشباب و الأندية الثقافية وغيرها.
أحياء بمثابة قنابل موقوتة، لازال معظم سكانها رغم ضيق السكن، يعيشون مع البهائم لكونها تشكل مصدرا للدخل، و في غياب للمرافق الاجتماعية الأساسية الضرورية أو قلتها، و ضعف و هشاشة البنيات التحتية، يزيد من تأزيم الفكر، الذي غالبا ما يجد في التطرف الملاذ و المأوى، لكون الخطاب يلعب على المشاعر و لا يخاطب العقل الذي هو مغيب أصلا بفعل الضغط اليومي المتنوع.
سكان أعرق مدينة بالمغرب وثاني أكبر مدينة حاليا يستنجدون، و يعبر عن عدم رضاهم بما آلت إليه مدينتهم، بعدما كانت تحتل موقع الصدارة بين مدن المغرب في التجارة والصناعة و العلم، أضحت من أواخر حواضر المغرب تطوراً، بعدما تم تحويل اغلب المصانع إلى مدن الشمال، و اتجاه الرساميل نحو البيضاء ومدن أخرى، تعرف حركية اقتصادية أفضل، كل هذا اثر وبدون شك على البنية المجتمعية للمدينة وحافظ على ركودها، فالاقتصادي هو المحدد لكل شيء، فلا يمكن ان يتطور الفكر بمعزل عن تطور للمستوى المعيشي للناس.
مندينة فاس اليوم أصبحت محاصرة بين بين دروبها وأزقتها وهوامشها التي تفرخ الجريمة والبطالة، و شتى أنواع الانحراف، في غياب مقاربة شمولية تنهض بالمدينة كليا، سكانها اليوم يناشدون كل المتدخلين إلى العمل على تصحيح ما يمكن تصحيحه، و يقترحون فتح المجال أمام شركة منافسة في مجال النقل الحضري إصلاح البنية التحتية للمناطق الصناعية السبع بالمدينة و إرجاع مجمع النسيج COTEF إلى الوجود، و العمل على استقطاب مجموعة من الاستثمارات، خلق فضاءات للاستجمام، و فتح المجال أمام الشباب للابتكار و تشجيع المقاولة الصغرى و المتوسطة، إعادة هيكلة المدينة بما يضمن تكافؤ الفرص بين الأحياء...