بقلم الأستاذ حميد طولست
الكثير من حكومات البلدان المتقدمة تطبق المقولة الشهيرة " الرجل المناسب في المكان المناسب " تطبيقا كاملا ، حيث أنه لا يمكن أن يحظى فيها أيا كان بمنصب وزير أو رئيس أو مدير مؤسسة كيفما كانت ، ما لم يكن من ذوي الإختصاص والتخصص في شؤون المنصب الذي يكلف بتديره ، وملم بشؤونه ، وعارف لخبياه ، حيث نجد أن وزير الزراعة عندهم مزارع أو خريج المعاهد العليا للزراعة ، وأن وزير الهجرة لاجئ عانى من ويلات الهجرة قبل أن يستوطن كندا ، وأن وزير الثروة السمكية صياد خبر البحر وعرف ثرواته ، ممارسة ودراسة ، وأن وزير التعليم لا يمكن أن يكون عندهم إلا من رجال التعليم العالماء الذين تنقلوا بين الجامعات ومختبراتها ، وأن وزير النقل رائد فضاء أو طيار أو خبير السير على الطرقات ، وأن وزير الرياضة بطل رياضي حنكته المباريات والملاعب ، وأن وزير الشباب ، شاب العقل والبنية والتفكير ، وأن وزير الصحة طبيب ماهر ، وأن وزير الاقتصاد رجل أعمال ناجح ، وأن وزير الأمن محارب قديم ، جرب تكتيكات القتال واستراتيجيات الحرب ..
بينما نجد أن الوزراء في حكومات العالم المتخلف ، لا تختار غالبيتهم إلا ممن لا علاقة لإختصاصاتهم –إن كانت لهم اختصاصات - بالوزارات التي يقتتلون في إحتلال دواليبها ، حيث نجد وزير الصحة محام ، ووزير الصيد طبيب ، ووزير الشباب "شيباني" شيخ هرم عقلا وبنية ، وغير ذلك من المفارقات المضحكة المبكية الناتجة في الغالب الأعم عن المنهجية المتخلفة وغير الديمقراطية ، المتبعة في اختيار الوزراء في تلك البلدان ومن بينهم بلادنا ، والتي لا تعتمد في ذلك على شروط الكفاءة والموهبة والنزاهة والمصداقية ، وإنما تركز على شرط "باك صاحبي" والانتماء الحزبي والعشائري ، على حساب تقارير الأجهزة المعنية بإجراء الأبحاث عن الشخصيات المرشحة للوزارة ومدى صلاحيتهم للمنصب ، الى درجة أن منهجية الاختيار في بلادنا عرفت - حسب جريدة ا"لأخبار" ونقلا عن مصدر حركي - بدعة غير مسبوقة تمثلت في اختلاء بنكيران بزوجات الراغبين في الاستوزار بدل البحث في ملفاتهم الشخصية وما تحويه من قدرات وكفاءات ، والأدهى من ذلك ، اتهام الصحفي توفيق بوعشرين في افتتاحية جريدة "أخبار اليوم" لبعض الوزراء بدفع رشاوى للحصول على حقيبة وزارية واستعطاف بعضهم لشخصيات ، وتهديد آخرين بالانتحار إذا لم يحصلوا على حقيبة وزارية .
الشيء الذي مكن بعض المتطفلين ممن خبا نور المواهب الحقيقية لديهم ، والذين استسهلوا الاستوزار واستساغوا المنصب الذي أخضعوه لمزاجيتهم ، وانتمائاتهم العاطفية وتوجهاتهم السياسية ، من احتلال ، وفي غفلة من الزمن ، بعض وزارات البلاد ، دون أن يشكلوا قيمة مضافة في بروفيل الوزراء - مع استثناء الوزراء الذين لم ينجروا إلى الكلام الساقط والقاموس البذيء - أو يقدموا مشروعا ً حقيقيا ً، بقدر ما يروجون لثقافة الاستعراض والبهلوانيات الفارغة ، التي غابت عنها كل القيم والمبادئ ، الأمر الذي ميع المنصب السامي للوزير ، وشوه صورته ، وأفقده وهجه وبريقه ، إن بالسلوك الزنقاوي أو بالتهور الكلامي أو بالاحتقار لآدمية المغاربة وأنسانيتهم أو بالاستهتار بأمانة ومسؤولية تحقيق ما يصبوا إليه فقراء البلاد من التخلص من مرارة الفقر والجوع والحرمان ، ما جعل الحكومات تعيش عصر السقوط والانهيار والتافهة والفقر ، معرفيا وسياسيا وقيميا ، ليس على المستوى المعيارية الوزارية فقط ، بل على المستوى الفكري والأخلاقي والإنساني المتدهور، والمثمتل في انصراف الى الذات ، خدمة للمصالح الشخصية الضيقة ، وكنز السحت ، وادخار الغنائم ، وإمتلاك الفلل والعمارات والقصور
لاشك أن مثل هذا الطرح يبغضه الكثير من الوزراء ، وينفرون منه ، لأنه يكشف الكثير من مضامينهم الداخلية، ويفضح مدى الخواء والفراغ الروحي والخراب الثقافي المترسب في دواخلهم ، ويعري والوجوه القبيحة للكائنات المشوهة المبتورة الأطراف ، والتي لا تملك من الذكاء غير الغش كشفرة للنجاح الاجتماعي ، ومن السياسة سوى بريق الشعارات الخاوية ، كمفتاح للصعود والتطور ، وإدعاء القيم والمثل العليا كسبيل للاستفادة من الريع ، دون أن تستطيع أكثريتهم بكل ما تبجحاتهم وعجرفتهم ، على لعب أي دور حاسم في اخراج البلاد مما تغرق فيه من أزمات لا يعلم مآلاتها إلا الله ..