adsense

/www.alqalamlhor.com

2016/01/13 - 11:57 م


12528170_810673495711335_1448332195_n

ترجع معرفتي بالشاعرة القديرة ابتسام حوسني حين شاركت في إحدى الأمسيات الشعرية التي نظمها مركز حقوق الناس بمدينة فاس، حيث سمعتها وهي تلقي إحدى قصائدها الثورية عن فلسطين .كان إحساسا جميلا وأنا أسمعها تردد بصوت عال كلماتها الرنانة والهادفة. سلمت عليها، تبادلنا كلاما عابرا عن مكان إقامتها.طلبت منها نسخة من ديوانها. لكن للأسف كانت النسخ التي أحضرتها قد نفذت. بعدها حضرت الصالون الأدبي الذي نظمه اتحاد المبدعين المغاربة برئاستها في مدينة قلعة السراغنة مقر سكناها وهنا بدأت علاقتي بابتسام تتوطد شيئا فشيئا.
تعتبر ابتسام حوسني قامة شعرية باسقة، بكلمتها الصادقة زادت سماء الأدب و الفكر بهاء.فهي تعتبر واحدة من أهل الإبداع وسط الساحة الشعرية المغربية.
ابتسام حوسني شاعرة موهوبة وفي نفس الوقت متمرسة، خططت لمسارها مند الانطلاقة، فتمكنت من تأسيس القصيدة العربية الثورية في صيغها المتناغمة والمتفردة بسلطة شعرها الملتزم التي تنبع من روحها الإبداعية وقوة استجابتها لنداء الضمير وما يمليه من معاناة الإنسان العربي في كل بقاع الأرض.
ابتسام حوسني حريصة على تحريك مشاعر القارئ كلما مر حدث مس القضية الفلسطينية أو بالأحرى القضية العربية . فهي تشرك القارئ بل تقاسمه ذلك الهيجان الذي يتأجج بداخلها، فتكون بذلك قد أعلنت ثورتها وتمردها ضد انواع السلوكات والأقوال المزيفة.
جل قصائد ابتسام تجمع على عشقها للوطن العربي وتشبثها بمبادئها القوية اتجاه كل قضية تمس الوطن العربي وهي تبدو دائما مصممة العزم على أداء رسالتها الإنسانية بصدق و أمانة. قصائد دواوين ابتسام تدق على إيقاع أحداث بحس ثوري، تعكس عاطفتها الجياشة وارتباطها العنيد بكيانها اتجاه كل قضية تمس الوطن العربي. ابتسام حوسني تتوسل بالشعر لأنه صوت الشاعرة، صمتها بل هو همسها عندما يعود إلى ذاتها يناجيها بمنطوق وجداني، فهو صراخها عندما يخرج من تلك الذات ليواجه العالم الخارجي. إن الشعر الثوري عند ابتسام حوسني مخاض يثير فيها الدهشة لم آلت إليه بعض الدول الإسلامية والعربية. ففي قصيدتها ” للعدو…..سقوط أندلس” نلحظ أن الشاعرة ابتسام حوسني قد استعملت صور متكررة ممزوجة بتراكيب مختلفة تبين من خلالها سقوط الأندلس بعدما عرفت ازدهار منقطع النظير في زمن مضى. هي تتحسر وتعلن ثورتها من خلال كلماتها:
” لإبن زيدون
ولادة نعلا لن يدس
حتى بحلمه النجس،
يشرب من علقمه
كأسا تلو كأس،
يجور عليه الدهر
لدى انقلابه عليها
و ثالث أعلامه ينكس،
ينحني لحارس مخوصص
يلهو بروابينا
و قصرنا لا يحرس!
يدعي أسباب الوصل
كي لا يلحقه العار
من أخمص قدميه
حتى الرأس ..
يصف الولادة
بخمرة تنعس،
تسكر العقل
تذهب عنه الفكر
فلا يقس
هزيمة أحد
بخيبته النكراء
في واد بائس
غير ذي زرع
لا حياة فيه
كل مشهد فيه
ينسي
أسماء خبرنا معناها
بأطلال قيس،
فلا ليلى المولعة بالعشق
تسعد بالنرجس
ولا هند النعمان
تسير جيوشها
نحو كسرى الفرس،
فالإدريسية
سليلة البيت
تنتهك حرمتها بقدس
ينتزع عنها الغطاء
بأنامل تهرس
فكل النساء سواسية
بأرض ابن عرس
سبايا جهاد
حور عين
كل حدود الله
تجرم قذفها بقبس”
وهي صورة لا تقوم إلا بتعميق تلك الثورة التي تظهر جليا على مستوى الأنا الرافضة والمتمردة ضد كل ما آلت إليه الأندلس. من هذا المنطلق يمكن القول إن شاعرتنا- فيما أظن- استوحت تيمة الرفض والثورة كذات تريد الخلاص بعد سقوط الأندلس في يد العدو.وهذا ما يشكل استراجية شعرية لدى ابتسام حوسني في قصيدتها رغم أن الزمن ولى ومضى .
أما في قصيدتها ” ترانزييت”، نلحظ جليا نزعة الشاعرة الثورية حتى في أحاسيسها تجاه الآخر.فمن خلال العنوان تعمدت الشاعرة استعمال لفظ ترانزيت الذي يعنى بالفرنسية ” عابر”لكي تبين للقارئ انها لا تأبه لكل ما مر بها ، فهي صنديدة، مالكة زمام أمورها بالرغم من العواصف الهوجاء التي هددت أحاسيسها بل على العكس هذه الأشياء تزيدها ثباتا و توقظها من احلي سبات.
أما في قصيدتها ” على مشارف الرفيق “ليو فييري ” فالشاعرة ابتسام حوسني عرجت معارج متنوعة على مستوى بناء معماري ثوري محض إذ انتقت كلمات تحفل برموز غنية بالدلالات الموحية “كطبشورة البعث” ” فراشات الغنج” ” دوريات منفاك” ” الغضب ” ” جرس” ” طوارئ” ” وطنا وليدا” ” ثوارا” ألخ… وهو معجم ترتب عليه وجود حساسية شعرية غلب عليها الشعور بالألم و العذاب وكدا التمزق . الشاعرة ذكرت ليو فيري باعتباره مرجعية ثورية في الأغنية الفرنسية ، فهو يمزج بين الحب والثورة والسخرية في آن واحد. انه يرسم الحالات النفسية أكثر مما يحكي قصص مع أشخاص .لكن أغانيه الثورية تزعزع أكثر مما تغري . إنه الشاعر والمغني الذي اكتسب اللغة النقدية الصادقة. دلك هو حا ل شاعرتنا ابتسام حوسني بحيث توغلت في توظيف التراث الغربي بحكاياته وظواهره:
اذهب انت ومن ولاك
برصيف قطار باريسي الولاء
من تم يكون هدا التوظيف دليل على بلوغها قمة الثورة في أبعادها اللامتناهية . إن عشق ابتسام حوسني لهده النزعة الثورية في كتاباتها لدليل على إرادتها في التغيير لما هو أفضل متجاوزة بدلك كل الآلام و الآمال. ابتسام حوسني من الشواعر الآئي يحملن هموم الإبداع ويعانين من ظواهر الحمل اشد المعاناة ويستجبن لنداء الحدث أو الموضوع باستعمال التعابير والألفاظ والصور الموحية الذي يتولد عنها عبقر الشعر في حلته الجميلة .جل قصائد الشاعرة ابتسام حوسني مرتبطة بالتجربة الشعورية التي تعانيها، نلحظ دلك من خلال استعمالها لتعابير دلالية التي تفوق التعابير الإشارية المكثفة . كل هدا واضح من خلال كثافة الرموز على مستوى عناوين القصائد ” للعدو…سقوط اندلس”، “باكوش”، ” ترانزيت”، “نشيد الكادحين”، على مشارف الرفيق” ، ” مساءات كازابلانكا” ،” وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى”.
تقول مثلا في قصيدتها ” باكوش”
مليكة وقفت تتوضأ
بباب العدل،
تقيم الغسل
بجثة قاتل فحل
يجيد القذف
بسرعة البعل
يسن الرماح
غشاء لطبل،
جلده ثعلب
و رجلاه حافيتان
بلا نعل،
يذوب بهوى معذبه
يفتديه بروحه…….
إذ يظهر لنا جليا أن الشاعرة تعمد إلى توظيف رموز ودلالات تدفع بالقارئ إلى استخدام عقله لفهم ما تود إيصاله. لقد تراوحت هده الدلالات بين دلالات غير اعتيادية وأخرى تربط الحاضر بالماضي بأسلوب نثري.
و ختاما
إن هذه القراءة المختصرة جعلتني أفكر في أن أخوض مرة ثانية في التجربة الشعرية لابتسام حوسني لأن اللغة فيها تتراسل لتخلق عالما خاصا ينصهر في انسجام بين الثوري والذاتي.
الدكتورة خديجة ماداني علوي
كلية الآداب و العلوم الإنسانية فاس