أهل مدينة صفرو قديما، كانوا يقولون عن فاس أنها قرية وأن المدينة الحقيقية هي صفرو، و الكلام مستوحى من التنظيم المحكم الذي كانت تعرفه المدينة الضاربة في القدم حضاريا، حيث العلاقات التجارية و المبادلات متقدمة و الرواج الاقتصادي على أشده، بالإضافة إلى الازدهار الفلاحي والسياحي و تطور الصناعات التقليدية الرئيسة، من حدادة وخرازة ودباغة الجلود و الصناعات النحاسية، زادها انتظاما تواجد جالية يهودية ذات خبرة عالية في مجالات الاقتصاد، تتلمذ على يدها الكثير من الصناع و التجار المسلمين، وتعتبر مدينة صفرو مركزا وملتقى لعدة قبائل عربية و امازيغية تحيط بها من كل الجوانب، تأخذ كل احتياجاتها من عاصمة حب الملوك، ومدينة صفرو كانت من أهم شرايين اقتصاد مدينة فاس.
الجولة التي قامت بها جريدة القلم الحر للمدينة بحر الأسبوع المنصرم، غيرت نظرتنا عن أم المدن المغربية، رغم استمرار تواجد العديد من أشجار الزيتون تغطي جوانب المدينة و كل الأطراف المترامية المحيطة بها، إلا أن واقع الحال، يأبى إلا أن يحول خضرة المجال إلى صفرة باهتة، فأغلب مساكن المدينة العتيقة تهدمت و ما بقي في طريقه إلى الزوال في ظل ضعف التدخل لإنقاد الإرث الثقافي والحضاري للمدينة، و هذه البيوت ورغم علاتها تطمر بين أحضانها أنين فئات اجتماعية عريضة من ساكنة صفرو،وهي تعاني الفقر والحرمان والهشاشة، و رغم ذلك لازال القيمون على تدبير الشأن المحلي يغوصون في صراعات هامشية، اعتبرها نشيطون بالمدينة تدخل في إطار جبر الخواطر، حفاظا على القاعدة الناخبة خصوصا في ظل اقتراب موعد الاستحقاقات البرلمانية، بيد أن هناك مشاكل و مشاريع ينبغي أن تعرف طريقه إلى النور، من أجل الارتقاء بالمدينة لتواكب السيرورة التي تليق بها وبتاريخها العريق.
السيد رئيس المجلس الجماعي للمدينة، أخيرا ادرك أن صراعه مع الطوبيس يمكن أن يكون سببا في فقدان شعبيته، فتنازل في الدورة الاستثنائية الأخيرة للمجلس عن تشبثه من منع الخط 38، بل و صرح أنه ليس ضد ربط صفرو بفاس عبر هذا الخط، و أن تخوفاته ينبغي أن تفهم في ساقها العام، و المثير في الأمر أن الجريدة وهي في طريقها إلى المديينة لم تلاحظ أي تغيير في تدفق وسائل المواصلات العمومية على المدينة، ''الطوبيس خدام''، و الطاكسيات الكبيرة بدون انقطاع بالإضافة إلى إحدى الشركات (الغزاوي) التي دأبت على تنظيم رحلات يومية من وإلى صفرو، شاهدنا حافلاتها مملوءة عن آخرها، لا شيء تغير في ظل تواجد الطوبيس، فلما الزوبعة؟
أغلب سكان المدينة الذين صادفتهم الجريدة، تحدثوا عن مشاكل النقل التي يعانيها المواطن الصفروي داخل المدار الحضري نفسه، ومن و إلى الدواوير المجاورة لصفرو خصوصا المتواجدة خارج نطاق الطريق المؤدية إلى فاس، بعض الشباب أكدوا للجريدة، أن سبب انقطاع غالبية طلبة صفرو عن الدراسة يعود إلى عدم القدرة على المواكبة، بفعل الفقر والهشاشة وعدم القدرة على تحمل تكاليف كراء محل بفاس أو نفقات النقل العمومي اليومي، في ظل حرمان طلبة صفرو من الحي الجامعي لكون إدارة الحي تعطي الأولوية في الاستفادة للطلبة القادمين من مناطق بعيدة، فئة أخرى ركزت على أن التدهور الاقتصادي الذي أضحت عليه المدينة يعتبر حصارا مضروبا على المدينة، التي أصبحت معزولة عند تجاوز الساعة الثامنة مساء، حيث تعرف المدينة انقطاعا تاما للمواصلات، مما جعل المواطن بمدينة صفرو يضطر إلى قضاء كل أغراضه قبل هذا التوقيت بكثير، أما العودة من مدينة فاس فتنقطع عند الرابعة مساء في فصل الشتاء، ولا تتجاوز الخامسة أيام الصيف ما يضع الصفريوين أمام خيارات صعبة، يضيف محدثونا، لا تتوفر المدينة على وحدات صناعية لاستيعاب بعض العاطلين ولا على مقاولات كبرى، و لا على مراكز تجارية، و الكثير يجدون عملا بفاس لكن حصار النقل وصعوبة السكن بفاس يجعلهم يتخلون عن فكرة العمل و الانضمام إلى جيش العاطلين بالمدينة.
فاعلون جمعويون، أكدوا للجريدة أن فك العزلة عن المدينة يكمن في تمديد توقيت عمل حافلات النقل الحضري، و توسيع مجال اشتغالها ليشمل الدواوير المجاورة، وفي تدخل ضريف لأحدهم قال : اخاي راه واخا يتزاد الترامواي من فاس لصفرو راه كلشي غادي يخدم'' لأن لكل وسيلة نقل زبنائها حتى ''الخطاف الي كيهز الناس فالكوفر غادي يخدم''، متحدث آخر، تساءل لماذا منع ربط صفرو بفاس بحافلات شركة سيتي باص؟ وقارن المسألة محليا بربط عين الشكاك بفاس، وجهويا مكناس ببودربالة والحاجب..،ووطنيا سلا بالرباط والدارالبضاء بمديونة...
غيظ من فيض، كما عبر عن ذلك أحد سكان المدينة ولازال في الحديث بقية دوام مشاكل المدينة المتراكمة، أمل شبابها و نسائها وأطفالها وشيوخها، أن ينكب المسؤولون على تدبير الشأن العام على معالجتها بحسب الأولويات والإمكانات المتاحة، بكل جدية وصدق بعيدا على المزايدات الانتخابية.