بقلم الأستاذ حميد طولست
قبل الخوض في تداعيات قضية ما بات يعرف بـ"جوج فرنك" ، التي أطلقتها الوزيرة شرفات أفلال حول موضوع معاشات البرلمانيين ، ولتي عرفت ولازال تعرف رقعتها توسعا وتأثيرا مستمرين على مجريات بعض الأحداث ، لابد قبل كل ذلك ، أن يعرف القارئ الكريم أني لست هنا بصدد تشريف أو تفخيم أو تنفيخ أي أحد ، وأني لست بصدد تخوين ولا تقزيم ولا تحقير ولا تبخيس ولا تقليل شأن أي من شخصيات هذه القضية .
وإنما كفر بعقول بلهاء فقدت بصرها وبصيرتها ، وضاق فكرها وضاعت مفاهيمها ، فظلت طريقها ، وتاهت عن جادة الصواب و معرفة الحقيقة، وسلطت غلظة قلبها ، وفظاظة لسانها ، لقذف الناس بطوب الزور والبهتان وإخفاء الحقيقة ، هو ما دفع بي لكتابة هذه المقالة لوضع النقاط على الحروف ، وإطلاع الرأي العام على معرفة بعض ما خفي من تفاصيل قضية "جوج فرانك" التي أثارت الجدل العارم الذي خلف تداعيات مختلفة متدرجة بين الطريف والخطير ، والتي كان من طريفها ، إدراج موسوعة "ويكبيديا" العالمية عبارة "جوج فرانك" ضمن السيرة الذاتية للوزيرة التقدمية ، تبعتها تداعيات أخرى أقل طرافة منها وربما أشد خطورة ، كتحول الكثير من الفيسبوكيين من انتقاد الوزيرة ، إلى انتقاد كل من وقف ويقف إلى جانب طرحها ، و التصدي كل من تبنى رؤيتها حول أحقية البرلمانيين في التقاعد مباشرة بعد خمس سنوات من العمل البرلماني التشريعي ، كما حدث مع الأستاذ حسن طارق من حزب الاتحادي الإشتراكي ، الذي رفض بشدة أن تكون معاشات البرلمانيين مجرد جريمة غدر وسرقة في حق الشعب المغربي ، كما وصفها الأستاذ النقيب عبد الرحيم بنعمر، وأنها تعاضد بين البرلمانيين وهيئة تأمين ، أو كالذي وقع مع السيد محمد خيي الخمليشي من حزب "العدالة والتنمية"ّ الذي ألمح في رد له على انتقادات الفيسبوكيين بقوله أن منتقدي عبارة "جوج فرنك" وصاحبتها الوزيرة شرفات أفيلال ، مجرد متهكمين وسفهاء ، أو كما حدث مع غيرهما من مؤيدي الحكومة -والمنتمين في أغلبهم إلى حزب "العدالة والتنمية"- الذين شنوا هجومات لاذعة ضد الصحافي التيجيني، بغية إقالته من أروقة دار البريهي ، ليس بسبب ما أثير حول ما يتقاضاه من أجر مقابل عمله الصحفي ، وليس بسبب عدم التزامه للحياد ، مع تصريحات السيدة الوزيرة ، ولكن بسبب إثارته لموضوع حساس ، يزعج أغلب البرلمانيين والوزراء والكثير من المسؤولين المستفيدين هم أيضا من معاشات ريعية ، والذي جعلهم يعيشون حالة من الذعر والاستياء والخوف المستمر على عروشهم وعلى مناصبهم وعلى المكانة التي حصلوا عليها ، ما جعل الانتقادات الموجهة لمُقدم برنامج "ضيف الأولى" ، غير بريئة ، وإنما مخطط لها بشيطانية مدبرة ، استعملت فيها الدسائس الخبيثة والأساليب غير أخلاقية ، لإسكات الصحفي التيجيني ، وجعله كبش فداء للتستر على الفساد والريع السياسي الذي ينخر المالية العمومية . ومن بين التداعيات الأخرى التي تسببت فيها الضجة الإعلامية غير المسبوقة التي أثارتها "جوج فرانك" :الانتفاضة الجماهيرية الشعبية -والتي التحقت بها بعض الشخصيات العامة من المنتمين وجدانيا إلى هذا البلد ويريدون له أن يتحرر من تخلفه- لتوقيع وبصورة عفوية عرائض تطالب بإلغاء معاشات البرلمانيين والوزراء ، والتي فاق عدد الموقعين على في بعض عرائضها ، كل التوقعات ، ومن التداعيات الأخرى ، تضامن عشرات المئات من المغاربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع الصحافي "محمد التيجيني" بعدما تناسلت أقاويل حول ضغوطات حكومية لإبعاده عن تقديم برنامجه المزعج .
ومن أخطر تداعيات القضية على الإطلاق ، هي تلك الورطة التي وضعت السيدة الوزيرة ، حزب التقدم والإشتراكية ، التي هي عضوة ديوانه السياسي ، والتي دفعت بمجموعة من أعضائه يلتحقون بـ"الحركة التصحيحية" للمطالبة بإقالة الأمين العام للحزب نبيل بن عبد الله ووزيرة "جوج فرانك" شرفات أفيلال على خلفية تصريحاتها ، وقد أعلنت الحركة التصحيحية من داخل ذات الحزب، عن عزمها التصعيد من خطواتهم الاحتجاجية ضد قيادات الحزب، والتي ستبدأ بتنظيم وقفة احتجاجية أمام المقر المركزي للحزب بمدينة الرباط خلال الأيام المقبلة.
هذه بعض مما تمخضت عنه زلة لسان من تداعيات ، لا يتسع حيز المقالة ذكرها جميعها ، لكثرتها وتنوعها وتشابكها ، وأختم بما جاء في كلام العرب من تشبيه اللسان بالسيف في الأثر، سواء كان الكلام جارحا أو لا ، حيث يقولون : الجرح بالكلام لا يقل أثرا عن الجرح بالسنان ، خاصة إذا كان من مسؤول يفترض فيه أن يراعي مصالح من ولي مسؤولية شؤونهم .
وقد قال أحد الشاعر:
جراحات الطعان لها التئام ...... ولا يلتئم ما جرح اللســـــــــــــــــــان.
وقال آخر
لساني وسيفي صارمان كلاهم.. وللسيف أشوى وقعة من لسانيا.
وقال الآخر :
وقد يرجى لجرح السيف برء..... ولا برءٌ لما جرح اللسان
جراحات السنان لها التئام... ولا يلتام ما جرح اللسان
وجرح السيف تدمله فيبرى ....ويبقى الدهر ما جرح اللسان