بقلم الأستاذ حميد طولست
عندما تجتمع عليك المآسي وخيبات الحظ ، وتتحطم أحلامك ، وتخسر كل حروبك ومعاركك ، وتنتكس كل ألويتك ، ويتعب جسدك ، وتسيطر عليك الذكريات المرة ، وتصبح تحت أنقاض الحزن ، اعلم ساعتها أن جميع مواقيت الزمان قد تعبت من عد أيامك ، بل سويعاتك ، التي صارت أوهن من نسج العنكبوت ، وأن أمرك بات محتوماً، وأصبح قاب قوسين أو أدنى ، وعندها لا تعلن الاحتضار ، ولا تستسلم للضعف والوهن ، وقاوم الدموع وسواد الألم ، وأعلنها حربا على المشاعر المثرثرة على أطلال هزيع عمرك ولحظاته البئيسة ، وافتح معارك جديدة في كل الجبهات ، وأطل مددها ومداها ، ولا تستسلم أو تستكين ، مهما تعرجت بك دروبها ، ومهما عصفت بأحلامك رياحها ، ومهما انجرفت بآمالك سيولها ، ولا تؤجل منازلاتك "الدانكيشوتية" ، وابقي على صورتك راقية أمام أعين الآخرين ما طال بك البقاء ، وإنسى الهزائم واشرب نخب الانتصار، حتى لو لم يتبقى من دنياك سوى نقوش وكتابات يتيمة على جبين تاريخك ..
وإذا أنت استنفذت كل محاولاتك المستميتة ، ارشف قهوتك على أنقاض الانكسارات ، فوحدها القهوة تستطيع إخراجك من حالات الخيبة والتيه ، فإن هي لم تستطع ذلك ، فلا تيأس وعاود الكرة ، فذاك لا يعني أنك إنهزمت نهائياً ، أو أنك لن تنهض في وقتٍ لاحق ، بل تحايل على الزمن ، وحور الصراع إلى سريرك ، واستجمع قواك ، واحتضن أنثاك التي لا تكتمل رجولتك إلا بقربها ، ولا أحد يدللك سوآها ، ولا تشعر بالأمان إلا بوجودها ، وأَغْمِضْ عَيِنَيكَ وأصْغِيِ لِصَوتِ مَشَاعِرِك ، وَاتَرْكَ لِيَدك المَجَالَ لِتَنْعَمَ بِدِفءْ أَدَّقَ تَفَاصِيلَ الجسد الذي لا تضيق حدوده ، وانغمس في أعماقه ، و استخرج عصارة حبّه و حنانه .. وأحصل منه ، وبجنون ، على نصيبك من دفء يغمرك مدى العمر ، ثم نم بعدها هنيئا بين ذراعي أنثاك وتوسد نهديها وربما بين فخديها ، فهي لم تخلق إلا لاحتضان قلبك الضعيف وتبديد آلامك وأَحزانك..