بقلم الاستاذ حميد طولست
في سابقة ما كان أحد ينتظرها، انتزع حميد شباط الأمانة من ورثتها انتزاعا ، عن طريق صناديق الاقتراع التي أسفرت على فوزه بأعلى منصب في حزب الاستقلال ، رغم أنه ليس من أصل فاسي ومجرد مواطن عادي منحدر من قبيل بالبرانص بتازة ، وذلك ب478 صوتا مقابل 458، من أصوات أعضاء المجلس الوطني للحزب الـ996، متفوقا على العائلة المستحكمة في دواليب الحزب بفارق 20 صوتا فقط .
لقد جعله هذا الفوز يحضى بشرف برقية تهنئة ملكية غالية طالما منى نفسه بها لتعضيد نضاليته ٬ وإثبات مشروعية تطلعاته السياسية المستقبلية، التي ما كان يخفي عزمه على تحقيقها، وذلك مند المؤتمر الثاني عشر لحزب الاستقلال ، في ماي 1989 الذي أقدم خلاله وبجرأة متفردة -وهو فتى يانعا- ، على منافسة طود الحزب أنداك "محمد بوستى" والترشح ضده للأمانة العامة، ومند ذلك الحين وهو يكد ويجد ويخطط للوصول إلى أعلى وأرقى المناصب تمهيدا للتربع على هرمية الحزب ، الأمر الذي تم له واستتب ، وكانت غالبية المتتبعين لمعترك مساره ، تشكك في حدوثه، ولم يكن أحد يتوقعه تحققه ، إلا صاحب الشأن الذي كان دائما يردد أنه "لا يدخل حربا إلا بعد التيقن من ربحها" كما في رده الذكي على سؤال أثناء حوار أجرته معه مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد٬ بخصوص إمكانية ظفره بمنصب الأمين العام للحزب، رغم أنه ليس من أصل فاسي أو مراكشي، والذي قال فيه :"أكيد..فحميد شباط المنحدر من قبيلة البرانص بتازة أصبح عمدة لمدينة فاس٬ العاصمة العلمية للمملكة".
إن أحداثا عظاما كهذه ، قد لا تكون عابرة في عمقها ودلالاتها، ولا يمكن أن تمر مرور الكرام ، من دون تكون لها تداعيات، خاصة أن الذي صنع تلك الأحداث هو شباط ، ذلك الرجل غير العادي، بما تمتلئ به جعبته من المفاجآت والنوادر والمستحدثات السياسية ، شباط الذي نجح في انقلابه الأبيض على التقاليد العثيقة التي أقرتها أنظمت الحزب وقوانينه الأساسية والداخلية التي صادقت عليها مجالسه العليا، ومؤتمراته العامة مند التأسيس عام 1945 ، من المؤتمر الخامس للحزب المنعقد في يناير1960، إلى المؤتمر الوطني السادس عشر 2012 الذي فرض خلاله حميد شباط نفسه-عبر صناديق الاقتراع لأول مرة في تاريخ الحزب– رابع أمين عام لأكبر حزب في المغرب ، خلفا لكل من الأستاذ الحاج أحمد بلافريج أول أمين عام للحزب ، والزعيم علال الفاسي مؤسس الحزب ، والأستاذ امحمد بوستة ، والأستاذ عباس الفاسي ،ضدا على كل القيادات العثيقة المبنية كليا على التوافقات والتوريثات اللاديمقراطية ..
فماذا تحمل الثورة الشباطية التي انطلقت من قصر المؤتمرات بالصخيرات نحو "باب الحد"، الذي شبه شباط دخوله إليه، بدخول ثوار ليبيا لباب العزيزية، محمولة على أكتاف شعارات أنصاره ومؤيديه المرددين "مبروك عليك العيد يا الأمين الجديد"؟. وماذا هو فاعل الآن بعد أن حقق نصره السياسي وأصبح أمينا عامّا للحزب ؟ وكيف سيترجم نياته وأمانيه التي أهمها وأقربها إلى قلبه "رئاسة الحكومة" والتي صرحت زوجته مؤخرا لإحدى الجرائد المغربية بأن أغلى أمانيها أن ترى زوجها رئيسا للحكومة..
أمام هذا وغيره من الأحداث ، لا شك أن هناك ما يدفع إلى الاعتقاد بأن شيئا ما يوحي أن مخاضا ما يعترك داخل هذا الحزب ، حير المراقبين المتابعين لتطورات وقائعه ، وأربك مسايرة المحللين السياسيين لمتغيراته بالدراسة والتحليل والتنظير والتوقع ، واستعصى عليهم -رغم توفر السوسيولوجيا السياسية وعلم النفس الاجتماعي والانتروبولوجيا السياسية من أدوات ووسائل معرفية ومنهجية – على إدراك هذه الظواهر الغريبة والمتغيرات المستجدة والمسارات الحديثة و المكانيزمات الجديدة المؤطرة لهذا المشهد السياسي الذي جعل من شباط ظاهرة تشبه طائر الفنيق ، الذي ينتفض من رماده ليحلق عاليا قويا ، ليقضي على كل من يقف في مواجهة أهدافه ، ويحول ضد معانقة أمانيه العطشى ، التي يضعها في منزلة الحصول على لقمة العيش، كما في تصريحاته الكثير في هذا المضمار.
فهل كمون شباط الغريب ، وهدوؤه الأغرب -والذي اعتبره البعض ، لقلة معرفتهم بعنادية شباط ، على أنه استسلام للهزيمة –هو بمتابة الهدوء الذي يسبق العاصفة ، واستعداد لمعارك جديدة ضارية من أجل تحقيق ما يطمح إليه ، والتي أقصاها ، أن يكون الرئيس السادس عشر للحكومة رقم 31 منذ استقلال المغرب ؟، وهل سيتمكن السيد حميد شباط من تبوء المقعد الذي تبوأه كل من أحمد بلافريج ، عبد الله إبراهيم ، الحسن الثاني ، أحمد با حنيني ، محمد بنهيمة ، أحمد العراقي ، محمد كريم العمراني، أحمد عصمان ، المعطي بوعبيد ، عز الدين العراقي ، عبد اللطيف الفلالي ، عبد الرحمان اليوسفي ، إدريس جطو ، وعباس الفاسي ، وأخيرا عبد الإلاه بنكيران؟
إن ذلك ليس بصعب ولا مستحيل على شباط كما عرفته ، فانتظروا معي المفاجأة .