مقال جميل للرِّوائي المغربي الفرنكفوني فؤاد العروي، ترجمه الى العربية الدكتور احمد الفرحان أستاذ الفلسفة بجامعة ابن طفيل.
يبدو أنّ الوقت قد حان للاستعانة بكلمة "الرّداءة" بوصفها "مفهوماً توضيحيّاً" يمكِّننا من فهم أحوال مجتمعنا المعاصر. ولنأخذ حال بلد قريب منا، أو بالأحرى، إنّه لنا.
لا نجد مفهوم "الرّداءة" في التّرسانة المفاهيميّة التي توظّفها العلوم الاجتماعيّة في فهم العالم. ولا نعثر عليها في السوسيولوجيا أو الأنثربولوجيا أو البوليتوكولوجيا. ولا نستعمله في المحاضرات، ولا في الدّروس العامّة الدّوريّة المتخصصة، أو في أطروحات الدّكتوراه. لم يَستخدم هذا المفهوم لا ابن خلدون ولا روسو ولا بورديو لتشريح أحوال المجتمعات في عصرهم. عموما، إنه في الطّرف الآخر من النطاق الذي تهتم به النّخبة، والنّفوس العظيمة، والمرء المشمول بالرعاية الإلهيّة. ليس هناك من مكان تعثر فيه على ترنيمة للرّداءة، لا في تمثال نياس Niaisفي السّاحة العامّة، ولا في صورة لكريتان Crétin على ظهر أغلفة الخميرة.
ومع ذلك، يبدو أنّ الوقت قد حان للاستعانة بكلمة "الرّداءة" من حيث هي مفهوم توضيحي يعيننا على فهم أحوال مجتمعنا المعاصر. ولنأخذ حال بلد قريب منا، أو بالأحرى، إنّه لنا.
كيف يمكن تفسير تكاثر مثل هذه الحوادث البشعة والمؤلمة (امرأتان يتمّ تقديمهما للمحاكمة أمام القاضي لأنهما تجرأتا على ارتداء تنورة "أو كسوة، لا أعلم، ولكن أُخذت، بحق، مأخذ الجريمة"، ويتمّ سحل فتى لأن المسكين لا يُلبِّي المعايير المعتادة للرّجولة، ويتمّ الدّعوة لقتل المواطنين المشتبه بهم أنّهم: "علمانيّون"، وما إلى ذلك.
كيف يمكن تفسير كل هذا إن لم يكن تعبيراً عن صعود عام للرّداءة؟
لقد مضى زمن (لنقل: إلى غاية الثمانينات) حيث كانت الأمور واضحة: كانت هناك النخبة المثقفة في البلاد. وكان يُلقّن العلم الصّارم والمعرفة الحقّة في الجامعة، والصحف والمجلات (عندما لم تكن محظورة) كانت تُعدّ من طرف خبراء. لقد كان هناك احترام ما للذّكاء والفهم. كانت الرداءة، بطبيعة الحال، موجودة، ولكن خلف الجدران، ولم يكن لها، بشكل عام، القدرة على الكلام والتّعبير عن ذاتها. وبعد جيل، جيل اليوم، صار الوضع كليّاً معكوساً: الذكاء والمنطق والتفكير الفلسفي اختفوا عمليّاً، وهذا هو انتقام الرّداءة. لقد سمح، هذا الجيل، للرّداءة أن تحمل أحكاماً عقائديّة نهائيّة وقطعيّة حول العالم. إنه يتجول في كلِّ مكان مع هاتفه المحمول لالتقاط الصور أو مقاطع الفيديو عن كلِّ ما يزعج دوائره (ويستعجل نشرها "ملصقاً " على الإنترنت) وعندما يتمّ تجميع عصبة من الرّداءة، فإن الأمر ينتهي بالإعدام خارج نطاق القانون.
ما العمل؟ ينبغي، ببساطة، الصّمود والمقاومة ضدّ الغباء. عندما تعمل في المرّة القادمة على قراءة كتاب فلسفة أو مقال عن الكوسمولوجيا، أو تعمل على مشاهدة فيلم لِمالك Malick أو لِكياروستامي Kiarostami، أو تعمل على شرح داروين للذين يجهلونه، فإن سُئلت عمّا أنت فاعل، فلتُجِب دون تكلّف: - إنّي صامد وأقاوم.
رابط المقال بالفرنسية:
http://www.le360.ma/fr/societe/contre-la-mediocrite-48737