بقلم الاستاذ حميد طولست
كثيرة هي العادات والقيم الأصيلة التي تغيرت في الجميع المغربي الذي كانت مكونات زمنه الجميل ، تتنافس على فعل الخير والتسامح ، وتتبارى على نقاء اليد وصفاء السريرة والاستقامة والأمانة ، وتتسابق على الإيثار وإجادة العمل ومراعاة الضمير، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الذاتية والشخصية ، والعزوف عن الأمراض المجتمعية الدخيلة ، التي انتشرت في الآونة الأخيرة واستفحلت بالشكل المهول والمخيف الذي نراها عليه اليوم ، والتي لم يعرفها ، أو يسمع بها ، أو كان يتخيل آباؤنا وأجدادنا ، حدوثها في مجتمعهم المسلم المتسامح ، الذي تميز سلوكهم فيه وتفاعلهم مع الغير ، باحترام القيم الأخلاقية والمثل الإنسانية التي تربط الأفراد فيما بينهم ، والتي كانوا يتحركون خلالها من موقع احترامهم لأنفسهم وشخصيتهم واعتقادهم الدينية والقيم الإنسانية ، وليس من موقع العقد والحاجات الذاتية الكامنة في لاشعور ساسة الفتنه وساسة الفساد وساسة العمالة..
وأوّل ما أصبح يواجه المرء من مظاهر العهر المجتمعي المقيت تلك ، إلى جانب الرشوة والإهمال والتهاون في العمل والغش فيه ، والخوف ، والضعف ، والتردد في مواجهة الحقائق ، والتسويف والتأجيل ومجاملة الباطل ، والتبعية في القرار ، وعدم القدرة على الاستقلال بالرأي ، والانتهازية والأنانية والنظرة الضيقة للأمور ، وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة ، وهدر المال العام والوقت ، وإضاعة الفرص ، هو كثرة التلوّنات السياسية والتحوّلات في الموقف ونسبية المبادئ والادّعاء وملء القصور العلميّ بالكلام الكثير وطغيان الشكل على الموضوع، والتمترس وراء القناعات الكاذبة وخلف الأخلاق والمظاهر الزائفة ، لحماية المواقف المتقلبة ، بالتمرغ في أحواض النتانة السياسة ، وبالمناحرة العقائدية المتناغمة مع كل شيطان ومارد ، لاحتلال مراكز القرار ، واستغلال موارد البلاد ونهب مقدراتها وقتل طموحات شبابها، دون البحث عن أي حل لأي من أزماتها المتتالية ، التي يصبح عليها ، ويمسي الشعب المسكين ، والتي ، ومع كل الأسف ، لا أحد يملك الشجاعة للاعتراف بأنها أمراض مجتمعية توغلت في كل المؤسسات ، وبرمج عليها وتلقائيا جل المسؤولين ، وحددوا في اتجاهها كل اهتماماتهم ومعارفهم الدقيقة ومهاراتهم العالية ووسائلهم المتطورة لتكريسها ونشرها ، الأمر الذي يحيّر لب كل مفكر ويقلب موازين تحليلاته ومنطلقات بديهياته ، ويدعونا أفراداً وجماعات ومؤسسات حكومية وخاصة ، وبإلحاح شديد ، إلى اقتسام المسؤوليات و توزيع أدوار للحد من هذه الأمراض الاجتماعية التي عمت مجتمعنا ، كل من زاويته الخاصة وبقدراته المتاحة ، بعيدا عن أحوال اليأس ، وإلقاء اللوم على الآخرين، والبحث عن المبررات الواهية للاستسلام للراهن والقبول بالوضع على ما هو عليه ، ودون نقد للذات .