بقلم الأستاذ حميد طولست
من الصدف العجيبة والمفارقات الغريبة ، أنه في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم إلى مملكة السويد في مثل هذا الشهر من كل عام ، حيث يتم الإعلان عن الفائزين بجوائز نوبل في من مجالات العلمية عديدة ، من الطب والفيزياء والكيمياء والأدب ، بل وحتى الاقتصاد والسياسة..
تتفاجأ الطبقة المغربية المتنورة ، بدعوة حركة التوحيد والإصلاح ، لأحد مشايخ مملكة آل سعود ، وأكبر علمائها من خريجي جامعاتها الوهابية ، والذي تدور أطروحاته في مجملها حول نفي صحة علوم هؤلاء المتوجين في السويد بالجائزة الكونية "نوبل" المعترفة بالنبوغ والكفاءة العلمية ، وإنكار دور العقل والعلم ، من قبيل الإدعاء بعدم دوارن الأرض حول الشمس ، أو ادعاء معالجة الفيروسات ببول الأنعام ، ومعالجة الأمراض المستعصية بالسحر والشعوذة .
وقد أدت هذه الدعوة لهذا الشيخ السعودي المسمى بمحمد العريفي، بدعوى إلقاء محاضرة في العاصمة الرباط نهاية الشهر الجاري، تحت عنوان "دور القرآن في بناء الإنسان" ، إلى انتقادات صريحة ، وتنديدا كبيرا ، واستنكار واسعا ، في الكثير من وسائل التواصل الاجتماعي، من طرف جل القوى السياسية والمدنية والثقافية ، وذلك لحماية المجتمع من فتنة "هذا الشيخ" الطائفية والمذهبية ، وتشدده الناسف لسكينة المجتمعات والأسر، بأفكاره وعقائده التكفيرية ، كفكرة الفتوى التي تحرم وجود البنت مع أبيها في المنزل لوحدهما، وغيرها من الأفكار التي جعلت الكويت تمنع الشيخ من دخول بأراضيها ، ولما يحمل من عقائد تكفيرية تحريضية على نشر الفتنة بين الكويتيين ، والتي دفعت ببريطانية من منعه ، هي الأخرى ، من دخول بلادها خوفا من تحريض شبابها على الالتحاق بسوريا والانضمام للتنظيمات الإرهابية ..
ولاشك أن الإصرار على استضافة هذا الداعية ، المعروف بمساندته لتنظيمي القاعدة و"داعش"، التي تقتل الأبرياء من المسلمين باسم القرآن ، وتسفك دماءهم باسم القرآن ، وتسبى نساءهم باسم القرآن ، وتغتصب عذاراهم باسم القرآن ، وتحرق وتشوون أطفالهم باسم القرآن ، ليس له إلا معنى واحد ، هو التكالب على استقرار المغرب ووحدة نسيجه الثقافي وانسجامه القيمي ، وتمكين الشيخ من شبابه ومراهقيه ، واسقاطهم في شراك التطرف والإرهاب ، واستقطابهم للجهاد في سوريا ، ليعودوا بعدها لمواصلة الإرهاب في هذا البلد الآمن..
على ما يبدو أن الفرق بين العلماء الذين يحجون في هذا الشهر ، إلى السويد للحصول على أرقى اعتراف بالأعمال والخدمات التي أسدوها للإنسانية ، وبين العلماء الآتين من السعودية لنشر الأفكار الوهابية المناقضة للعقل وللعلم ، بل بينهم مسافة كبير من الزمن ، وهي نفس المسافة الزمنية التي تفصل بين خروج أوروبا من عصر الظلمات منذ قرون وتخبطنا المستمر في جهلنا المقدس الذي جاء العالم الشيخ العريفي لنشره بيننا في المغرب ، وكأننا ناقصين جهل " ..
هذه الحادثة المؤسفة ، ذكرتني بفكرة الكاتبة المصرية "فاطمة ناعوت " والتي لخصتها في رغبتها في سن قانون يجرم ويكافح أسمته "التجهيل العمدي" . وأنقل بعض الفقرات من نص مقالتها : "في حياتي القادمة، إن كان ثمة تناسخُ أرواح، وإن حدث وغدوتُ ملكةً أو رئيسةَ دولة، أو مُشرّعة قضائية مثلا، سأصكُّ قانونًا حازمًا حاسمًا ناجزًا لا ثغرات به، يُعتقَلُ بموجبه كلُّ مَن يُروّج مغالطات علمية مُضلّلة، أو يُطلق معلومةً معرفية مغلوطة.
فيصدقها الناسُ، وتتداولُها الألسنُ، وتصيرُ حقيقةً بين العامة، وما هى إلا هُراءٌ وبلاهة وجهالة!
سأسميه قانون: "مكافحة التجهيل العمدى". فأن تكونَ جاهلاً، لا بأس، فكلُّنا جهلاءُ نتعلم حتى نموت؛ أما أن "تُجهِّل" الناسَ قسرًا، فتلك جريمة، تستوجبُ العقاب! من السخف أن تطالب بسجن مَن سرق من جيبك 100 جنيه، ولا تُجرّم سارقَ عقلك .
لذلك خرج الكثير الناشطين والعديد من الجمعيات بصرخة مدوية تؤكد على أنه الواجب الوطني يفرض علينا حماية عقولنا وعقول مواطنينا من عقائد التكفير والكراهية والمذهبية ، ويكفي المغرب من ضحايا هذه العقائد ، الذين سقطوا بالآلاف .
فهل سنسمح باللمزيد من الضحايا ؟..