adsense

/www.alqalamlhor.com

2015/10/25 - 3:09 م


ظهر وزير الصحة المغربي بدور البطل بعد خرجاته الإعلامية التي استأسد فيها على كل مهنيي الصحة (الأطباء والممرضين) وتركهم في مهب الريح، كلهم باستثناء أولائك الذين يستفيدون من ريع قراراته الرامية إلى خوصصة قطاع الصحة وفتح كليات الطب الخاصة بالمغرب. بالطبع لا يمكنك أن ننتظر أكثر من شيوعي سابق تحول بقدرة قادر، كما حزبه السياسي إلى نظام العولمة واقتصاد السوق. الخدمة الإجبارية أو ألالزامية التي أعلن عنها مؤخرا، أججت وأفرزت إشكالات عميقة حتى قبل معرفة تفاصيلها وكيفية توظيفها. الطلبة الأطباء امتعضوا من هذا القرار الذي يتم طبخه دون سابق إنذار ودون مشاورات قبلية، واعتبروه اهانة لهم ولمسارهم الدراسي وديبلوم لم يتحصلوا عليه بعد، افنوا من اجله رعيان شبابهم، وضحوا من اجل ذلك بالغالي والنفيس.
هو قرار يذكرنا بما كان الحال في عهد السيدة ياسمينة بادوا بقرارها بإجبار الطبيبات الاختصاصيات على العمل في مناطق نائية في المملكة دون مراعاة لطموحاتهن وحالتهن العائلية التي تطورت أثناء سنوات دراسة التخصص. ما نتج عنه آنذاك محاولة مقاضاة الوزارة من طرف الطبيبات، ورفضهن الالتحاق بأماكن العمل المفروضة عليهن بحجة خدمة الشعب. المثير للاهتمام أن صنفا منهن استطعن البدء بممارسة مهنهن بشكل غير قانوني في القطاع الخاص، فيما استطاعت أخريات، بطريقة ما، فتح عيادات خاصة في المدن دون مراعاة لمقتضيات الالتزام الذي وافقن عليه قبل البدل في التكوين، القاضي بالعمل لثماني سنوات إلزامية بالقطاع العام، في ضرب صارخ لمبدأ تكافؤ الفرص. ما أسفر كنتيجة لهذه السياسة العوجاء، تضييعا لحق المواطن الذي يساهم من جيبه بطريقة أو بأخرى في صيرورة العمل بالمستشفيات والجامعات.
 قرار إلحاق الأطباء الجدد بالمناطق النائية في المغرب من اجل خدمة إخوانهم المواطنين، مع الأخذ بعين الاعتبار لروابطهم والتزاماتهم العائلية، ليس اقتراح خاطئ في حذ ذاته، لكن الطريقة التي أعلن عنه بها، تحيل إلى كونه قرارا سياسيا محضا، من اجل إرضاء كتلة الناخبين وابتغاء صيت شعبي اكبر، أكثر منه قرارا يبتغي حقا خدمة الوطن. هذا ما اغضب حفيظة الأطباء حديثي التخرج وطلبة الطب، الذين أحسوا بالاهانة وأنهم حملوا وزرا يفوق طاقاتهم من قبيل تحسين العرض الصحي لساكنة المناطق النائية بالمغرب دون توفر الإمكانيات اللازمة لذلك. طلبة الطب هم من خيرة أصحاب الباكالوريا المغربية، اختاروا هذا المسار من اجل العمل في مهنة نبيلة تمكنهم من مكانة مرموقة في المجتمع. خلال تطورهم واحتكاكهم بالنظام الصحي، يذبل بريقهم شيئا فشيئا. التكوين الذي يتلقونه في تراجع بسبب نزيف الموارد البشرية اثر انسحاب الأطر التكوينية نحو القطاع الخاص، والخصاص المهول في وسائل العمل إضافة إلى الفساد المستشري في النظام الصحي. بقدر ما يكبرون، بقدر ما يحسون بتلك النظرة المريبة الحذرة، التي يرمقها عموم الشعب إلى هذا الجسد الذي لطالما كان شريفا محترما. سوء ظن وفقدان ثقة راجع إلى تصرفات من سبقوهم والتي مرغت سمعة الطبيب في الحضيض.
بذلك يصبح من الصعب عليك شيئا فشيئا أن تمارس مهنة طبيب في بلد يكرم فيه ويقدر المغني ولاعب كرة قدم بدل الكفاءات والأطر. خلال محا ضراتي عن العمل الاغاثي و الجمعوي أو حين أقوم بعمليات جراحية تطوعية في ربوع المغرب ؛ التقيت بشباب أطباء في كل من فاس،الرباط ، الدار البيضاء ومراكش. كلهم متحمسون وتعتريهم رهفة خدمة الوطن، طرحوا علي أسئلة كثيرة حول التطوع حتى إلى ما ابعد من الحدود، بعض منهم منخرطون بشكل فعال في تنظيم القوافل الطبية، كجمعية الحياة في الرباط، وجمعية أصدقاء المستشفى الجامعي وبصيص أمل في مراكش وذلك في تفان وإخلاص قل نظيره.
 الإرادة السياسية الحقة هي التي ستجعل من هؤلاء الأطباء الشباب أكثر حماسا، أكثر رغبة، في الذهاب للعمل بكل قناعة لا بقوة الإكراه والإجبار. لان السيد الوزير يعرف بنفسه لكونه طبيبا، انك لا يمكن أن تقدم أحسن ما لديك تحت قوة الإكراه. في الأرشيف السوفياتي، اللدي يعرفه السيد الوزير جيدا ، نجد أن وسيلة المقاومة الوحيدة للعمال الصرب في مناجم الفحم آنذاك، كانت في النزول إلى أسفل المنجم والامتناع عن العمل لأنهم لم يتمكنوا من القيام بإضراب عن العمل. بعيدا كل البعد عن نموذج العامل المثالي القدوة المعروف: ستاخنوف. لا اعتقد، أن طلبة الطب الذين اعرفهم، أنهم أنانيون ومحبون لذواتهم إلى درجة أن لا يشاركوا بطريقة أو بأخرى، في تقديم الخدمات الصحية للمواطنين المعزولين، لكن يجب تشجيعهم في هذا النحو.
 لا يمكن أن ترسل طبيبا من منطقة حضرية، أو أكثر من ذلك طبيبة، إلى منطقة نائية دون توفير التزامات تضمن راحتهم وأمنهم من جهة، وفي ظروف عمل وسكن جيدة من جهة أخرى و دون تعزيزهم بعدد كاف من اللممرضين و اللوازم الطبية للقيام بمهامهم على أحسن وجه. فلابد من جمعهم في مجموعات في مستوصفات صحية كبيرة تعد لهذا الغرض،عوض تشتيتهم ، مع نظام مداومة يمكنهم من استرجاع قواهم وأنفسهم تفاديا لان يقعوا في مطب النبذ والنسيان. لا بد أن تضمن لهم علاقات محترمة ومؤطرة مع المناديب الجهويين لوزارة الصحة، الذين يعملون تحت ضغط الأرقام بغض النضر على نوعية وجودة الخدمات . هذا دون نسيان العدالة الاجتماعية، وتكافئ الفرص للجميع من اجل أن يشارك الجميع، دون أفضلية لأحد، ودون التمييز واستعمال النفوذ لمن له الوساطة أو يدفع رشاوى الشيء الذي يترك أثرا مرا في نفسية أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة ويؤثر حتما على حبهم لبلدهم و مردود يتهم.
 ناهيك الخصاص الحاد للممرضين و القابلات و تأهيلهم للعمل في ظروف صعبة و بعيدة عن المستشفيات. الإتيان بحلول فعالة مناسبة، تلزمه معرفة بمختلف الأرضيات وطبيعة البشر، وهذا أمر مازال غائب في وزارة ما زالت تائهة في أمراضها وأحكامها القبلية وانعدام كفاءتها، لهذا يواجه هذا القرار خطر إنتاج ردة فعل مضادة لأهدافه، تكمن في اهانة ونفور الأطباء الذين يلتحقون بمقرات عملهم، إلى حد الآن، في المغرب غير النافع بدون أية تحفيزات معنوية ولا مادية. على أمل أن يكون هذا هو المنشود، لأنه مع نوعية السياسيين هذه، لم نعد نعرف إلى أين نحن ذاهبون ؟ والى أي وجهت ينجرف المغرب ؟