مباشرة بعد انتحار الشاب أحمد البيهاوي بمنطقة سيدي بطاش، على خلفية حلق شعره من طرف قائد المنطقة وبعض مساعديه، خصّص الصحفي صاحب عمود الصفحة الأخيرة، وابن مدينة ابن سليمان، مقالا تأبينيا للهالك الذي وصفه بأنه ضحية "التشرميل السلطوي المضاد"، وضحية "الإهانة والحكرة بعد أن جزّ القائد شعره مثل الخروف"، دون أن ينسى هذا الصحفي أن يسبغ القائد بأوصاف وعبارات لا تخلو من إيحاءات تحقيرية ومشوبة بالازدراء والسخرية، من قبيل " القائد البطاش" و"القائد صاحب السلطات الخارقة".
كما تعمد هذا الزميل الصحفي أن يربط واقعة انتحار الشاب أحمد البيهاوي، باستغلال النفوذ وبالتفاوت الطبقي، معتبرا أن هذا القائد الذي انتهى خلف القضبان، كان يتصرف على هذا النحو المتجبر، انطلاقا من علاقته الأسرية مع مفتش القوات المساعدة السابق (ابن الجنرال)، ومن منطلق انتمائه الاجتماعي الذي لا يسمح له بمعرفة معاناة أبناء الطبقات الفقيرة ومدى عزتهم وكرامتهم بأشياء لا يفهمها "سعادة القائد"، كما وصفه الزميل الصحفي في مقاله.
إننا لسنا هنا بصدد الدفاع عن القائد الذي يخضع حاليا للاعتقال الاحتياطي، على ذمة التحقيق الإعدادي في وفاة الشاب أحمد البيهاوي. كما أننا لا نتاجر في مأساة هذا الشاب، أو ندمي الجروح والندوب التي خلفها موته في قلوب وذاكرة عائلته. وإنما أثرنا هذا الموضوع بعد أن استفزنا مقال جديد لهذا الصحفي يقدم فيه بروفايل جديد للقائد طارق حجار، ويستعرض فيه أوصافا غير تلك الأوصاف التحقيرية التي وسمه بها في مقاله السابق "حكاية القائد البطاش". لقد استغرب الجميع كيف أن ذاكرة هذا الصحفي ضيقة، وكيف أنه تاجر بمأساة العائلة مباشرة بعد الوفاة، لتحقيق مزيد من المبيعات، ليعود بعد انصرام الأربعينية برواية أخرى، تقدم القائد طارق حجار في صورة ضحية التربية العسكرية المتصلبة، التي قادته عن غير قصد لارتكاب تلك الأفعال !
كان من الممكن أن يتفهم القارئ هذا التحول الجذري في التعاطي مع قضية سيدي بطاش، لو أن القضاء أصدر حكما نهائيا يبرئ فيه القائد طارق حجار، لأن الحكم القضائي هو عنوان الحقيقة، وإن لم يكن الحقيقة ذاتها. لكن، مع استمرار اعتقال هذا الأخير، واستمرار آهات الأم الثكلى، وآلام العائلة المكلومة، فإن مثل هذا التحول ليس له تفسير آخر سوى أن الزميل الصحفي تاجر بالقضية في مهدها، ونسي أو تناسى متعمدا ما كتبه سابقا، ليقدم بعد ذلك رواية جديدة وبروفايل مغاير للقائد المتورط في الحادث.
وفيما يلي، نستعرض الأوصاف والألفاظ التي استعملها الزميل الصحفي في المقال الأول "حكاية القائد البطاش"، وما يقابلها في المقال الثاني "حتى لا تكون مجرد حملة"، على أن نترك للقراء الأفاضل استخلاص الرسائل، واستنباط الغايات والمقاصد، وفهم حقيقة هذا الزميل الذي طالما قدم نفسه على أنه "أشهر صاحب عمود صحفي في المغرب".
ففي البداية كان القائد طارق حجار" قائدا بطاشا"، واليوم أصبح "شابا تأثر بالتربية العسكرية التي فرضها والده في البيت"، وفي السابق كان " قائدا متجبرا"، وفي هذه الأثناء أصبح "متحمسا أخذته الحمية وأراد تطبيق القانون بصرامة". وفي الأول كان "متسببا في الحادث بشكل عمدي"، والآن "تسبب عن غير قصد في انتحار الشاب". لكن الأخطر في هذا المقال الأخير، هو تلكم الرسالة الاستعطافية التي وجهها الصحفي إلى القضاء، ليلتمس منه تمتيع القائد طارق حجار بظروف التخفيف، مستعملا العبارة التالية : "ولعل القضاء العادل والمنصف الذي يوجد بين يديه مصير هذا القائد، سيأخذ في اعتباره هذه المعطيات!". اليوم، أصبح القضاء عادلا ومنصفا، وبالأمس القريب، كان قضاءً عاريا ومسيرا بتعليمات (المرجو مراجعة المقالات السابقة لهذا الصحفي بخصوص السلطة القضائية).
إنها قمة الانتهازية، ومنتهى البرغماتية أن يتاجر هذا الصحفي بمأساة عائلة فقيرة، وأن يعيد إلى الواجهة معاناتها بعد أن خفف من وطأتها السلوان. كما أنه لسلوك أرعن أن تكتب بالأمس مقالا تطلب فيه القصاص من شخص، وتسبغه بأوصاف قدحية، وتعود في أقل من خمسة أشهر، لتطلب من القضاء تمتيعه بظروف التخفيف، لانعدام القصد الجنائي لديه، ولكونه مجرد شاب انساق وراء حماسته، بعدما كان في السابق قائدا بطاشا متجبرا !
إنها مؤشرات أولية لانفصام في الشخصية "سكيزوفريني"، أو إنها إرهاصات دالّة على ثقب في الذاكرة، وبداية مع المعاناة مع مرض "زهايمر". وإلا كيف يمكن تفسير هذا التحول الجذري في التعاطي مع قضية الشاب المنتحر بمنطقة سيدي بطاش؟ خلاصة القول إنها " حكاية الصحفي البطاش".