المسيرات والوقفات الاحتجاجية التي نظمها مؤخرا تجار سوق علال القاسمي وشارع بوشريط وساحة الحنصالي وسط مدينة الجديدة وأمام مقر البلدية ضد الفراشة والباعة المتجولين، جعلت الجديديين يطرحون السؤال التالي : لماذا السكوت عن هذه الوضعية الشاذة، التي تعرض تجارة القطاع المهيكل للكساد والضياع، ناهيك عن عرقلة حركة السير والجولان وسط المدينة، وتساهم بشكل كبير في تفشي السرقات والاعتداءات والتحرش الجنسي ، وتضر بجمالية المدينة التي أصبحت تئن تحت وطأة الفوضى العارمة في شتى المجالات التي يسهر عليها المجلس البلدي وتدخل في صلب اختصاصاته .
لقد أصبح احتلال الملك العمومي حق مكتسب ، في اعتقاد الكثير من الفراشة والباعة المتجولين على الخصوص،وبدأ يأخذ أبعاداً خطيرة يوماً بعد يوم، منذ ولادة الربيع العربي سنة 2011 . وأخذت هذه الظاهرة تقلق راحة المواطنين وأصحاب المركبات الخاصة الذين يجدون حرجا كبيرا في التنقل وسط شوارع المدينة ، بالإضافة إلى أنها تشكل منافسة غير شريفة بين القطاع المهيكل وغير المهيكل، أي بين التجار والفراشة كما أشرنا في مقالات سابقة .
فمن المسؤول إذن عن حماية الملك العمومي ؟ هل الجماعة الحضرية ؟ أم السلطة المحلية ؟ أم الأمن المحلي ؟ فالمجلس البلدي يرمي بالكرة في مرمى السلطات المحلية والأمنية، لأنه يعتقد أنه يقوم بدور السلطة التشريعية فقط، وأن السلطة التنفيذية هي التي لها سلطة الردع والزجر. غير أن السلطات ترى بأنها أصبحت متجاوزة، لغياب الإمكانات اللوجيستيكة والمادية والبشرية، لمكافحة هذه الظاهرة، التي تتفشى بشكل خطير يوماً بعد يوم ، وتعتبر قنبلة موقوثة قابلة للانفجار في كل وقت وحين .
فالمجالس المنتخبة تراهن على أصوات الفراشة والباعة المتجولين في الانتخابات المقبلة بل منهم من يشجعهم على احتلال الملك العمومي، ويرفضون أي احتكاك مع هذه الشريحة من المواطنين التي تشكل قوة انتخابية لايستهان بها، من جهة، وعدم الاكثرات للتجار الذين لا تشكل أصواتهم الانتخابية الشيء الكثير بالنسبة إلى المنتخبين .
أما السلطات المحلية والأمنية فصارت مكبلة بالحقوق المدنية والسياسية، وفي مقدمتها حقوق الإنسان، التي جاء بها دستور 2011 بالرغم من سلطة الزجر التي يمنحها لهما القانون، غير أن الربيع العربي زاد من تكبيل السلطات المحلية والأمنية، جراء العديد من المناشير والتعليمات الوزارية التي تحثهم على التعامل مع المواطنين بالليونة والحذر، وعدم الاحتكاك معهم، خصوصاً أن بعض الهيئات الحقوقية من جهتها زادت الطين بلة وساهمت بشكل كبير في تفشي ظاهرة احتلال الملك العمومي.
المسؤولية باتت تتأرجح بين كل المؤسسات المعنية والمتدخلين في احتلال الملك العمومي، رغم كل الترسانة القانونية المنظمة للتجارة. صحيح أن أصحاب القطاع غير المهيكل (الفراشة والباعة المتجولين ) هم مواطنون والدستور يضمن لهم العيش الكريم، ومن حقهم أن يحصلوا على شغل يضمن لهم العيش مع ذويهم، لكن الدولة عاجزة عن تنفيذ مقتضيات الدستور، وبالتالي عاجزة عن توفير الشغل لكل العاطلين. لكن أصحاب القطاع المهيكل ( التجار) هم بدورهم مواطنون، ومن حقهم حماية تجارتهم لتحقيق العيش الكريم بوسائلهم الشخصية دون الاعتماد على الدولة، وبالتالي من حقهم محاربة التجارة غير المشروعة وغير الشريفة، التي سببت لهم الكساد وتراجع المداخيل .
وهنا يكمن دور الدولة الرامي إلى الحفاظ على حقوق وواجبات الطرفين في ظل ما ينص عليه الدستور وما تنص عليه القوانين الجاري بها العمل، لأن المواطنين سواسية أمام القانون، ولا يمكن لأحد أن يترامى على حقوق الآخر تحت أي غطاء .
فمن يحمي إذن المواطن من المواطن ؟ ويحقق المساواة والعدالة الاجتماعية أمام القانون ..؟ ومتى تستعيد السلطات هيبتها لتطهير الملك العمومي من المحتلين و الغزاة الجدد غير الشرعيين .. ؟ ومتى يدرك المنتخبون أن كافة السكان لهم نفس الحقوق ؟ وأن يتعاملوا مع الظاهرة بما يقتضيه القانون بعيداً عن كل الحسابات الضيقة و المزايادت السياسوية والاتنخابوية .. ؟ أم أن دار لقمان ستبقى على حالها، ومحاربة الباعة والفراشة المتجولون أصبحت حالة مستعصية الحل بهذا الإقليم ... ؟
الداء موجود لكن الدواء مغيَب ومن تم وجب على الدولة وضع مقاربة شمولية للحد من هذه الظاهرة التي باتت تؤرق الجميع ، سلطات محلية وأمنية قبل المواطنين في ظل تواطؤ بعض المنتخبين مع هؤلاء الفراشة والباعة المتجولين من أجل ودهم خاصة أن الانتخابات الجماعية على الأبواب ...
الدولة مطالبة بإيجاد حل جذري لهذه المعضلة الكبيرة مادامت المجالس الجماعية عاجزة أم متواطئة ،وكما يقول المثل " ما حك جلدك مثل ظفرك " ... " واحد يديرها والآخر يحصل فيها " ، فكثيرا ما تجد السلطة المحلية نفسها محرجة وهي بصدد تحرير الملك العمومي بالتراخيص غير المبررة لبعض الباعة المتجولين والفراشة موقعة من طرف رئيس المجلس البلدي في خرق سافر للقانون ...