adsense

/www.alqalamlhor.com

2014/04/02 - 1:52 م

احمد عصيد.
استطاع النظام السوري أن يحوّل بنجاح الانتفاضة الشعبية ضدّه إلى مستنقع لأعدائه ومعارضيه، ليس بسبب قوته التي تآكلت، ولا بسبب مصداقية لم تتوفر له في يوم من الأيام، ولا بفضل وفاء أنصاره من الجيران، بل فقط بفضل تهريب الثورة من طرف الجماعات المسلحة للإسلام الإخواني والوهابي السلفي المتطرف، الذي لا يقلّ قبحا وسوء سمعة عن النظام السوري نفسه. 

انطلقت انتفاضة الشعب السوري كما انطلقت في تونس ومصر، استمرارية لدينامية الشارع ونبضه القوي، وتعبيرا عن يأس شعوب أمضّها الاستبداد، انطلقت سلمية شعبية، وكان يمكن أن تواجه قمع السلطة بصمود وببذل تضحيات جسيمة، لولا انقضاض "الجهاديين" عليها وتصايحهم من كل درب وصوب وتناديهم بـ"الجهاد" في سوريا، وهو ما بذلت من أجله دول الخليج أموالا طائلة، مما نبه الطرف الشيعي في المنطقة (إيران وحزب الله تحديدا) إلى "خطر الزحف السني" على الدولة في سوريا، وتُوج المشهد كله بتدخل من يسمّون أنفسهم "علماء الأمة" على الخط، حيث جمعهم القرضاوي ومن على دربه للمناداة بـ"الجهاد" في سوريا، ليس ضد النظام السوري ومن أجل الحرية والعدل  والمساواة، بل ضدّ "المجوس الشيعة"، فانقلبت الثورة إلى حرب طائفية لا مخرج منها ولا أفق لها إلا الدمار والخراب. 

ونظرا لأن الدول الداعمة للفتنة من الطرفين منتجة ومصدرة للبترول، فلا خوف من أن ينضب التمويل أو يتراجع، إذ ثمة ما يكفي من المال والعتاد لتزويد النار المشتعلة. وانفلت العنف الوحشي من عقاله، فكان الذبح مع التهليل والتكبير، دون مراعاة لقيمة الإنسان أو للأعراف الدولية، وتراجع صوت السياسيين والمثقفين من أعضاء مجلس الثورة وضعف تأثيرهم، وأفلت الأمر من أيديهم بظهور أمراء الحرب، وتراجعت الدول القوية عن دعم الثورة بسبب مآلها الذي أصبح يمثل تهديدا لمصالح تلك الدول. 

وتماما مثلما حدث في السودان، حيث أدّى التطرف الديني للنظام إلى انقسام البلد وانفصال الجنوب المسيحي، أدى عنف النظام السوري وهمجية القاعدة وغلو السلفية العمياء في سوريا إلى تسلح الأكراد دفاعا عن أنفسهم وإعلانهم تشكيل إدارة مدنية انتقالية في شمال شرق سوريا بعدما حققوا تقدما ميدانيا كبيرا في مواجهة المجموعات التي توصف بـ"الجهادية". وهكذا أصبحت وحدة سوريا مستقبلا في مهب الريح . 

أما المسيحيون السوريون، فقد حزم أكثرهم حقائبه هربا من بطش الذين وجدوها فرصة لتطهير أرض سوريا من "دنس" التعددية الدينية التي عاش عليها السوريون لآلاف السنين. 
ونظرا للطابع الطائفي للحرب الدائرة، والتي تحولت من نبل الثورة إلى قذارة المحارق العنصرية، فلا يبدو في الأفق حلّ قريب، ذلك أن الحل الوحيد هو أن تقتنع الأطراف المتناحرة بضرورة وضع السلاح وإقامة الدولة المدنية، دولة المواطنة للجميع، وهي القناعة التي لا يمكن أن تتوفر لا للنظام الذي لا شرعية له، ولا للانتحاريين الذي يسعون إلى إقامة دولة أسوأ بكثير من دولة النظام المنهار. 
يبدو أن عبارة "العلمانية هي الحل" التي يرفضها المحافظون والمتشدّدون والحكام المسلمون، تكتسي في سوريا طابع الحقيقة الساطعة في الواقع الملموس، والتي قد تنقذ في النهاية ماء وجه الأطراف المتناحرة.