adsense

/www.alqalamlhor.com

2014/03/24 - 6:00 م

عبد الله الدامون.
الناس يسمعون باستمرار عن تجارة المخدرات، كما يسمعون كثيرا عن المسؤولين الفاسدين، لكنهم نادرا ما يربطون بين الحالتين، مع أن تجارة المخدرات والفساد يشبهان توأمين ملتصقين، بل يشبهان جسدا واحدا برأسين.
يعرف الناس أن عندنا «جمهورية» عظيمة اسمها «كتامة»، تعطينا الملايير من الأوروهات كل عام؛ لكن هذه الأموال الضخمة لا يأخذها الشعب، بل يأخذها كبار المهربين والفاسدين. ومن الغريب حقا أن تجار المخدرات يقتسمون أرباحهم بالكامل مع المسؤولين الفاسدين، وأحيانا يعطونهم النسبة الكبرى مما يربحونه، وفي أحيان أخرى يعطونهم كل شيء تقريبا لكي يفلتوا من المطاردة والسجن.
تجارة المخدرات وطرق تهريبها ليست سرا، والعلاقة بين تهريب المخدرات والفساد هي التي جعلت المغرب يسترجع حاليا أمجاده القديمة لكي يصبح المنتج العالمي الأول للحشيش.
قبل بضع سنوات، كانوا يقولون لنا إنهم يحاربون حقول الحشيش، وإن المساحات المزروعة بهذه النبتة/الآفة تراجعت إلى أكثر من النصف؛ ثم فجأة، وبعد كل هذه المدة، نـُفاجأ بأن المغرب، الذي حارب الحشيش، عاد للتربع على قائمة البلدان المصدرة للعشبة السحرية. نريد أن نفهم فقط أي أنواع من الحروب جرت في مواجهة الحشيش؟ هل هي حروب حقيقية أم حروب «البْلاي ستايْشن»؟
علاقة الحشيش بالفساد نراها في أمثلة كثيرة، وهناك مظاهر مستترة لهذا الفساد، لكن هناك أيضا مشاهد فاقعة، بل وصادمة إلى حد كبير.
الذين زاروا تطوان وسلكوا الطريق البحرية نحو سبتة، أكيد أنهم رأوا فيلا مهجورة كانت في ملكية رجل مات، كان يعتبر من كبار تجار المخدرات. لكن غير بعيد عن هذه الفيلا، توجد فيلا فارهة في ملكية مسؤول عادي. يمكننا أن نفهم كيف يستطيع تاجر مخدرات أن يبني فيلا في وقت قياسي، لكن كيف يمكننا أن نفهم تمكن مسؤول عادي من بناء فيلا في وقت قياسي. والغريب أن فيلا تاجر المخدرات تعرضت للتخريب بعد أن أُوقف واعتقل.. ثم مات، بينما فيلا المسؤول لاتزال تشي منها علامات السعادة والحبور.
وقبل بضع سنوات، عايش المغاربة مظاهر فاقعة لارتباط المخدرات بالفساد، عندما هرب تاجر مخدرات شهير من سجن القنيطرة، مع أن الهروب من سجون المغرب يشبه الهروب من جهنم، لكن الحقيقة هي أن المهرب كان يدخل السجن ويخرج منه كما يفعل في بيته، وأن مشكلته هي أنه خرج ذات مرة للسهر ثم أفرط في الشرب ونام، وعندما عاد متأخرا إلى السجن أخبروه بأنه «عيّق»، وأنه مسجل كهارب، فهرب.
وقبل سنوات، اكتشف المغاربة ظاهرة فريدة في منطقة «مارتشيكا» بالناظور، حيث كانت مئات القوارب السريعة تدخل وتخرج من باب بحري ضيق وهي محملة بأطنان الحشيش، ومع ذلك فإن أحدا لم يكن يراها، وكأن الحراس والأمنيين الأشاوس في تلك المنطقة انطبقت عليهم الآية الكريمة «فأغشيناهم فهم لا يبصرون».
وقبل ذلك، سقطت شبكة من الأمنيين الفاسدين الذين كانوا يتلاعبون باتهامات غير رسمية مع مشتبه بضلوعهم في تجارة المخدرات، فكانوا يعتقلونهم من منازلهم ليلا بحجة أنه مبحوث عنهم، ثم يهددونهم بالتوجه بهم نحو معتقل تمارة، وفي النهاية يحدث التفاهم، ويكون المبلغ المتفاهم عليه محترما كوجه وشهرة صاحبه.
هناك، أيضا، ظاهرة عجيبة مرتبطة بالعلاقة بين الفساد وتجارة المخدرات، فالمغاربة في الماضي، أيام حملات «لارافْ» المجيدة، كانوا قد تعوّدوا على أن تمر قربهم «السّطافيط» وتحملهم رأسا إلى الكوميسارية للتحقق من هوياتهم وسـِيـَرهم، وسواء كانت عندهم «لاكارْط» أو لا، فإنه كان يتم التعاطي معهم كمشتبه فيهم حتى تثبت براءتهم؛ لكن في الوقت نفسه كان الناس يرون تجار المخدرات يطوفون بينهم كرجال محترمين، أو كانوا يرونهم وقد تحولوا إلى أعيان ورجال سياسة. في أحيان أخرى، يسمع الناس بأن تاجر مخدرات قد صدرت في حقه 20 مذكرة اعتقال، ويلاحظون أنه لم يتم القبض عليه إلا في أعقاب صدور المذكرة الـ21، بينما يرون كيف يتم القبض على المواطنين الأبرياء في الشارع منذ الوهلة الأولى وبدون أية تهمة.
لولا ارتباط تجارة المخدرات بالفساد لما رأينا مسؤولين تافهين يبنون الفيلات والقصور بدون أن يحاسبهم أحد، ولما رأينا مهربين يصلون إلى البرلمان ثم يشترون مناصب كبيرة في الأحزاب وفي غير الأحزاب؛ ولولا ارتباط الفساد بالحشيش لما رأينا كل تلك العجائب في هذه البلاد.
كتامة الحقيقية لا توجد في تلك المنطقة الواقعة ما بين شفشاون والحسيمة، بل توجد في الرؤوس الفاسدة.