أمينة ماء العينين.
يبدو أن الضحية الأكبر لسنة 2013 هو الحوار و ثقافة الاختلاف و تدبير التعددية.و بالعودة الى مرحلة الجزر التي عرفها الربيع العربي ،يمكن الوقوف على المأزق الحقيقي الذي تعيشه ثقافة الحوار، خاصة بين الطرفين الاساسيين في العملية السياسية:الاسلاميون و العلمانيون.حتى ان اخطر ما خلفه تعطيل الاليات الديمقراطية لتدبير الاختلاف و التعايش معه ،هو التواطؤ الكبير الذي ابداه اتجاه واسع من العلمانيين ،مع اساليب مغرقة في اللاديمقراطية عادت بالعالم العربي حقبا الى الوراء، لمجرد تحقيق انتصارات ظرفية صغيرة تزيح خصومهم من الاسلاميين من مواقع السلطة التي حملتهم اليها صناديق الاقتراع .حتى اننا وصلنا في مرحلة ما بعد الربيع الثائر على السلطوية و الاستبداد ،الى التطبيع النفسي و السياسي مع الانقلاب العسكري و عودة العسكر القوية الى ادارة العملية السياسية او بالأحرى اغتيالها.او الالتفاف في حالات اخرى بأشكال متعددة على نتائج العملية الديمقراطية ،لكون نتائجها لم تستجب لميول فصيل سياسي لا يملك بالضرورة امتدادا شعبيا ،غير انه يعرف كيف يستقوي بمراكز نفوذ داخلية و خارجية لا تضع ارساء مبادئ الديمقراطية على اجندة أولوياتها.
الخطأ الاكبر الذي نرتكبه في بلدان حديثة العهد بالممارسة الديمقراطية، هو تعطيل آليات الحوار المجتمعي الضروري لجسر الهوة التي تأكد اليوم انها عميقة بين الاسلاميين و العلمانيين،و الاستعاضة عن ذلك في سياق حرق المراحل بالاحتكام مباشرة الى صناديق الاقتراع لتحسم خلافاتنا المزمنة.الاسلاميون استقووا بعمقهم الشعبي و تفوقهم الانتخابي وهو ما يغنيهم حسب هذا التصور عن تعميق الحوار مع الفصيل العلماني الذي لا يختلف معهم، بقدر ما يرفض وجودهم من حيث المبدأ.في حين، لجأ العلمانيون الى التحالف الانتحاري مع القوى المحافظة الرافضة للإصلاح في الداخل و الخارج ،مضحين بالديمقراطية التي قد تحمل اللاديمقراطيين حسب تصورهم، الى مراكز القرار.الخاسر الاكبر في هذه المعادلة هو الاصلاح ،و الفائز الاكبر هو الجمود و الفساد.
صار لزاما في الوضع الذي وصلنا اليه اليوم ان يؤمن الاسلاميون و العلمانيون معا، بالحاجة القائمة الى مرحلة انتقالية يؤجل فيها الاحتكام الى الصناديق لحل الخلافات، و يعمق فيها الحوار و النقاش، حتى نرتقي بوعينا الجماعي الى مرحلة قبول كل طرف بوجود الاخر باعتباره مكونا اساسيا لا يمكن اقصاؤه او مصادرة حقه في الوجود لمجرد الاختلاف معه . لقد تبث للعلمانيين ان الاسلاميين قوة شعبية كبيرة و ممتدة .كما تبث للإسلاميين ان العلمانيين غير مستعدين للقبول بالعملية الديمقراطية ان كانت ستحمل اعداءهم الى مواقع القرار.النتيجة هي ما نعيشه اليوم من اجهاض لآمال الاجيال التواقة للتحرر من نير القهر و الاستبداد.لم يعد مقبولا اليوم من الطرفين معا تعميق الخلافات، و نهج اساليب الاستفزاز و ردود الافعال و الاقصاء و الاستعلاء.انها السبيل الاقصر الى الفتنة و اقبار مشاريع التحرر و الديمقراطية و التنمية.و تبقى الاوطان الجريحة الخاسر الاول و الاخير في صراع لا غالب فيه و لا مغلوب.