adsense

/www.alqalamlhor.com

2014/01/25 - 7:45 م

فاطمة الافريقي.
كنت أظن أن المطر زائر مهذّب يخبرك بقدومه برسالة مع الريح ويمهلك أياما لتتدبَّر حطبا للتدفئة ؛ فاكتشفت بأنه فوضوي يأتي بلا موعد مسبق، ليفاجئك عاريا ومتعثرا في طريق مكتظ بالوحل..

كنت أصدق قدومه من الخطوط المتقطعة والسريالية على خريطة النشرة الجوية،  وصرت اليوم أتفقدُّ أخباره الموثوق بها في بلاغات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية..

كنت أتوهم أن  المطر مناضلٌ شريف يعلن تمرده بماء مكشوف رافعا غيمة غاضبة،فضبطته متسللا بين الشقوق كمخبر سري..

وكنت أحسبه منطقيا وحساباته دقيقة جدا، فصُدمت لدجله و معادلاته الخرافية..

كنت أظن بأنه كَوْني لا يفرق بين الأجناس والديانات، لكن يبدو بأنه مسلم..  

وكنت واثقة من أنه شعبي، فاكتشفت بأنه مخزني لدرجة البلل.

غريب أمر هذا المطر! لم يرأف قلبه لمناجاة الفلاحين الفقراء ، و امتثل بسرعة وبغزارة  لما جاءته الإشارة من الفلاحين الكبار..لم يصغ لدعائنا السري ، وفضل الطقوس العلنية لصلاة الاستسقاء.. ولم يضعف أمام صلوات البؤساء في القرى المنسية، فيبدو أنه مثل نجوم السياسة والسينما يفضل الصلوات على السجاد الأحمر أمام ومضات المصورين و كاميرات النشرات الرسمية .

كنا نعرف من توقعات الأرصاد الجوية بأن في الأجواء كثير من المطر، لكن لم نكن نعلم بأن غيومه تُصنع في مطبخ السلطة.. نعرف بأنه ضروري للحكم ويحمي الأنظمة الهشة اقتصاديا من تمرد الشعوب، لكن ليس لدرجة توظيفه سياسيا ودينيا لتثبيت المشروعية.

ما أومن به هو أن الله رحيم ، يوزع المطر بين مخلوقاته بالعدل وبحكمته السرية والمدهشة، لا يفرق بين نبات وحيوان ولا بين غرب وشرق ولا بين مسلمين ونصارى إلا بمنطقه الخاص والمذهل في خلق الكون والطبيعة بحُسْبان..فكم من بلاد "كافرة" جعلها ممطرة، وكم من بيوت مقدسة اختار لها الله جغرافيا قاحلة..

لاأدري لماذا يوهموننا بأن لهم فضل في هطول المطر، ويصرون أن يكونوا وسطاء بيننا و بين الله ،وهم من يحددون  لنا المواعد المناسبة للدعاء و للتوسل وللصلاة وللاستغفار،ويرسخون في لاشعورنا الجمعي بأنهم أقرب منا إلى الله ، وبأننا المذنبون ومن يتحمل المسؤولية الأخلاقية لرحيل المطر،وبأنهم الصالحون الذين بفضلهم تُمطر السماء في أجمل بلد في العالم..

قال الجنرال الفرنسي ليوطي لما كان مقيما عاما :" إذا اردت أن تحكم بالمغرب ، فعلى السماء أن تمطر".نسي أن يضيف بأنه لكي تحكم ، عليك أن تستعجل صلاة الاستسقاء قبل أن تمطر.

ويقول الكاتب العربي عبد الرحمان منيف على لسان أحد أبطال مجموعته القصصية أسماء مستعارة :" أما بخصوص انحباس المطر، فإن اللوم يقع على وزير الإفتاء الذي كان غبيا جدا ولم يختر اليوم المناسب لصلاة الاستسقاء ، وقد عاقبناه ، وسنعاقب كل وزير يسيء إلى الشعب ، فالشعب أمانة في أعناقنا "

هذا الكلام كتبه الراحل عبد الرحمان منيف سنة 1969، فما أشبه اليوم بالأمس البعيد، الفرق الوحيد أن تقنيات رصد التوقعات الجوية تطورت ولم يعد وزراء الإفتاء أغبياء، بل أصبحوا يختارون بذكاء ودقة علمية اليوم المناسب لصلاة الاستسقاء.